الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

هل يلزم الإمساك لمن بلغه دخول رمضان أثناء النهار؟

السؤال

إذا لم يعلم الناس بدخول الشهر إلا في النهار، فهل يمسكون؟ وإذا أمسكوا فهل عليهم القضاء؟

ملخص الجواب

يلزم الإمساك لمن بلغه دخول الشهر ولو في أثناء النهار، وأما القضاء، ففيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول. وهذه المسألة مع تطور وسائل الاتصالات في هذه الأزمنة المتأخرة، قد تكون نادرة الوقوع.

الجواب

الحمد لله.

إذا لم يعلم الناس بدخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار، فالواجب هو الإمساك عن المفطرات بقية اليوم. والدليل على وجوب الإمساك:

  1. قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ سورة البقرة / 185.

  2. روى البخاري (1900)، ومسلم (1080) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا رواه البخاري (1900)، فعلق وجوب الصيام على الرؤية، وهنا قد رئي الهلال، فوجب الصوم.

  3. روى البخاري (2007) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس: أن من كان أكل، فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل، فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء.

وأما وجوب القضاء، فمحل خلاف بين العلماء، فمن أهل العلم – وهم الجمهور -: من يرى وجوب القضاء مع الإمساك، واستدل على ذلك: بما روى الترمذي (730) من حديث حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  مَنْ لَمْ يُجْمِعْ  يعني: لم ينو  الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ )، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"، قالوا: وهنا لم يحصل تبيت للنية من الليل، فلم يصح الصيام، والإمساك في ذلك اليوم، إنما وجب؛ احتراماً للزمن.

قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا أصبح مفطرا يعتقد أنه من شعبان، فقامت البينة بالرؤية، لزمه الإمساك والقضاء في قول عامة الفقهاء." انتهى من "المغني" (3/34).

وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: "(وإذا قامت البينة بالرؤية) أي: رؤية هلال رمضان ( في أثناء النهار ) متعلق ب ( قامت ) ( لزمهم ) أي: أهل وجوب الصوم ( الإمساك ولو بعد فطرهم )؛ لتعذر إمساك الجميع، فوجب أن يأتوا بما يقدرون عليه؛ لحديث: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ...، ( و ) لزمهم ( القضاء )؛ لثبوته من رمضان , ولم يأتوا فيه بصوم صحيح، فلزمهم قضاؤه للنص " انتهى من " كشاف القناع " (2/310).

والقول الثاني في المسألة: وجوب الإمساك لا القضاء، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ويدل على هذا القول: حديث سلمة بن الأكوع السابق في صيام عاشوراء، فالذين أكلوا في أول اليوم من عاشواء لم يثبت أنهم قضوا ذلك اليوم، مع أن صيام عاشوراء كان واجباً في صدر الإسلام. ويدل عليه أيضاً: أن إيجاب الإمساك مع عدم الإجزاء، مع الأمر بالقضاء فيه زيادة تكليف على المكلف من غير دليل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، فإنه يتم بقية يومه، ولا يلزمه قضاء، وإن كان قد أكل." انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/376).

وقال المرداوي رحمه الله:
"قال الشيخ تقي الدين: يمسك ولا يقضي، وأنه لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب، لم يلزمه القضاء" انتهى من "الإنصاف" (3/283).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: ( وإذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلا لوجوبه)، قوله: البينة أي: بينة دخول الشهر، إما بالشهادة وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوما، وقوله ( وجب الإمساك ) يعني الإمساك عن المفطرات.

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر الناس بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، أمسكوا في حينه؛ ولأنه ثبت أن هذا اليوم من رمضان فوجب إمساكه.
وقوله: (والقضاء) أي: يلزم قضاء ذلك اليوم الذي قامت البينة في أثنائه أنه من رمضان، ووجه ذلك أن من شرط صحة صيام الفرض أن تستوعب النية جميع النهار، فتكون من قبل الفجر والنية هنا كانت من أثناء النهار، فلم يصوموا يوما كاملا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .

ووجوب القضاء في هذه المسألة – أي: ما إذا قامت البينة أثناء النهار - هو قول عامة العلماء.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يلزمهم الإمساك ولا يلزمهم القضاء، ووجه ذلك: أن أكلهم وشربهم قبل قيام البينة كان مباحا، قد أحله الله لهم، فلم ينتهكوا حرمة الشهر، بل كانوا جاهلين بنوا على أصل وهو بقاء شعبان، فيدخلون في عموم قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، فهم كمن أكل ظانا بقاء الليل، فتبين أن الفجر قد طلع، أو أكل ظانا غروب الشمس، فتبين أنها لم تغرب، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء.

وأجاب - رحمه الله - عن كونهم لم ينووا قبل الفجر: بأن النية تتبع العلم ولا علم لهم بدخول الشهر، وما ليس لهم به علم فليس بوسعهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولهذا لو أخروا النية بعد علمهم بدخول الشهر لم يصح صومهم.

وتعليله وجوابه - رحمه الله - قوي، ولكن لا تطيب النفس بقوله، وقياسه على من أكل يظن بقاء الليل أو غروب الشمس، فيه نظر؛ لأن هذا كان عنده نية للصوم، لكن أكل يظن الليل باقيا أو يظنه داخلا " انتهى من " الشرح الممتع " (6/332-333).

والحاصل: أن الإمساك لازم لمن بلغه دخول الشهر ولو في أثناء النهار، وأما القضاء، ففيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله. وهذه المسألة مع تطور وسائل الاتصالات في هذه الأزمنة المتأخرة، قد تكون ناردة الوقوع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب