الخميس 12 محرّم 1446 - 18 يوليو 2024
العربية

معنى (من غشنا فليس منا)

215061

تاريخ النشر : 27-10-2014

المشاهدات : 247189

السؤال

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، فهل يعني ذلك أنّ الشخص الذي يغش أو يكذب كثيراً، يعتبر كافراً، حتى لو كان مؤمناً بالله واليوم الآخر؟

ملخص الجواب

حديث (من غشنا فليس منا) أخرجه مسلم في صحيحه. والمقصود من الحديث ذم الغاش، وأنه ليس على سنن وطريقة وصفات المسلمين، والتي منها: النصح والصدق مع الآخرين، وعدم غشهم، ولا يدل الحديث على كفر الغاش.

الجواب

الحمد لله.

حديث من غشنا فليس منا أخرجه مسلم في صحيحه (146) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا، فَلَيْسَ مِنَّا، وفي رواية أخرى لمسلم (147) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه – أيضاً -، وفيه: مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي.

والمقصود من الحديث ذم الغاش، وأنه ليس على سنن وطريقة وصفات المسلمين، والتي منها: النصح والصدق مع الآخرين، وعدم غشهم، ولا يدل الحديث على كفر الغاش.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"
النَّقْصُ عَنْ الْوَاجِبِ نَوْعَانِ:

  1. نَوْعٌ يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ، كَنَقْصِ أَرْكَانِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.

  2. وَنَقْصٌ لَا يُبْطِلُهَا، كَنَقْصِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْكَانِ؛ وَنَقْصِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا...

وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ، وَخِلَافُ الْمُرْجِئَةِ وَالْخَوَارِجِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِدِينِ اللَّهِ الَّذِي أَكْمَلَهُ بِقَوْلِهِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَهُوَ اسْمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَلِلْبِرِّ وَلِلْعَمَلِ الصَّالِحِ.. فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ التَّامُّ.

وَكَمَالُهُ نَوْعَانِ: كَمَالُ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ الْكَمَالُ بِالْمُسْتَحَبِّ. وَكَمَالُ الْمُقْتَصِدِينَ، وَهُوَ الْكَمَالُ بِالْوَاجِبِ فَقَطْ.

وَإِذَا قُلْنَا فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَقَوْلِهِ: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الْآيَةَ..، إذَا قَالَ الْقَائِلُ فِي مِثْلِ هَذَا: لَيْسَ بِمُؤْمِنِ كَامِلِ الْإِيمَانِ؛ أَوْ نَفَى عَنْهُ كَمَالَ الْإِيمَانِ، لَا أَصْلَهُ؛ فَالْمُرَادُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ، لَيْسَ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَبِّ، كَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ، أَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ غَيْرَ الْوَطْءِ... وَكَذَا الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ: هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْإِيمَانِ الْوَاجِبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ إيمَانِهِ نَاقِصًا عَنْ الْوَاجِبِ: أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا حَابِطًا..، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ، وَلَا أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ أَدَّى الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ إيمَانُهُ كَامِلًا، فَإِنَّ الْكَمَالَ الْمَنْفِيَّ هُنَا الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ.

فَهَذَا فُرْقَانٌ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَيُقَرِّرُ النُّصُوصَ كَمَا جَاءَتْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا، كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ، وَلَا أَنْ يُقَالَ: صَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ كَافِرًا، كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ.
بَلْ الصَّوَابُ: أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الْمُضْمَرَ يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَهُمْ الْمُوَالَاةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ دَرَجَاتٌ فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ؛ فَإِذَا غَشَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ حَقِيقَةً؛ لِنَقْصِ إيمَانِهِ الْوَاجِبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الثَّوَابَ الْمُطْلَقَ بِلَا عِقَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا؛ بَلْ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مُشَارَكَتَهُمْ فِي بَعْضِ الثَّوَابِ، وَمَعَهُ مِنْ الْكَبِيرَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ..." انتهى مختصرا من "مجموع الفتاوى" (19/292-294).

وقال محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله:
" لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ: قَالَ الْخَطَّابِيّ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا وَمَذْهَبنَا، يُرِيد أَنَّ مَنْ غَشَّ أَخَاهُ وَتَرَكَ مُنَاصَحَته، فَإِنَّهُ قَدْ تَرَكَ اِتِّبَاعِي وَالتَّمَسُّك بِسُنَّتِي.

وَقْد ذَهَبَ بَعْضهمْ: إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَه عَنْ الْإِسْلَام، وَلَيْسَ هَذَا التَّأْوِيل بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا وَجْهُه مَا ذَكَرْت لَك، وَهَذَا كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ أَنَا مِنْك وَإِلَيْك، يُرِيد بِذَلِكَ الْمُتَابَعَة وَالْمُوَافَقَة، وَيَشْهَد لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم اِنْتَهَى. وَالْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَحْرِيم الْغِشّ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ " انتهى من " عون المعبود شرح سنن أبي داود " (9/231). وينظر: " فتح الباري " (3/163).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب