الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم الاحتفال باليوم العالمي للحجاب

السؤال


يحتفل في اليوم الأول من شهر شباط من كل عام بيوم الحجاب العالمي ، فما قول أهل العلم في ذلك ؟ وما هو قولكم في هذه المسألة ؟ وهل يعتبر ذلك من البدع ؟

الجواب

الحمد لله.


اليوم العالمي للحجاب هو فكرة دعت إليها إحدى المسلمات المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية وتدعى نظمة خان وهي مسلمة من أصل بنغالي هاجرت إلى الولايات المتحدة عندما كان عمرها أحد عشر عاما , ولاقت هناك صنوفا من الأذى والتضييق بسبب حجابها , مما جعلها تفكر في طريقة تضع بها حدا لهذا التمييز ضد الحجاب , وكانت هذه الطريقة هي دعوة النساء من جميع البلاد والديانات والأعراق لارتداء الحجاب ليوم واحد على الأقل وهو أول يوم من فبراير (شباط) وهو ما يعرف باليوم العالمي للحجاب .

والحجاب فريضة محكمة شرعها الله سبحانه لنساء المؤمنين وهو رمز العفة وأمارة الصيانة والتقوى , ويجب على المسلمين علماء ودعاة وأفرادا أن يبذلوا الجهد والطاقة لدعوة الناس إليه وترغيبهم فيه , ولكن مع ذلك يجب أن تكون الوسيلة التي تسلك في هذا السبيل وسيلة مشروعة , لأن الغايات المحمودة ينبغي أن تكون وسائلها مشروعة , وأما أن يتم تحديد يوم في السنة يتكرر كل عام ويسمى بــ " يوم الحجاب العالمي " فهذا لا يجوز , وذلك لما يلي :
أولا :
أن هذا فيه تشبه بعادات الكفار أعداء الله سبحانه وأعداء رسله , فإنهم الذين ابتدعوا هذه الأفكار , وجعلوا لكل أمر يريدون إشاعته ونشره مناسبة للاحتفال تتكرر بتكرر الأعوام والسنين , مثل اليوم العالمي للطفولة , واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة , واليوم العالمي للسرطان , واليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة , وعيد الأم , والعيد الوطني , وغير ذلك الكثير من هذه البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وإنما كانت هذه الأمور من قبيل البدع المذمومة لأن تحديد يوم محدد يتكرر كل عام ويجتمع فيه الناس على فعل معين يجعل هذا اليوم يوم عيد , لأن العيد اسم لما يعود ويتكرر .
قال علماء اللجنة الدائمة في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (3/88) : " العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أموراً منها : يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة ، ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم ، ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات " انتهى .

وينظر إلى جواب السؤال رقم : (10070) .

وتشريع الأعياد لا يكون إلا من الله سبحانه شأنه شأن سائر أمور التشريع التي لا تكون إلا من الله جل جلاله الذي له الخلق والأمر , والتشريع والحكم , والتحليل والتحريم , ولم يجعل الله سبحانه لنا معشر المسلمين إلا عيدين فقط وهما عيد الأضحى وعيد الفطر , ثم عيد أسبوعي وهو يوم الجمعة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً ، فيكون فيها من البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع ( يوم الجمعة ) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/301) .

الثاني : أن الاحتفال الذي يحصل في هذا اليوم يحدث فيه من اللهو والمرح والعبث ما ينافي مقصود الشرع الحنيف من تشريع الحجاب بل ومن كل تشريع , ذلك أن تشريعات الله سبحانه يجب أن يسارع إليها الناس ويلتزموها خاشعين مخبتين محتسبين قاصدين بها التقرب إلى الله سبحانه , طامعين في ثوابه خائفين من بطشه وعقابه , أما أن يجتمع النساء فيما يسمى بيوم الحجاب العالمي وهن في حالة من اللهو واللعب والفرح والمرح , ويدعون معهن نساءً من جميع الديانات والجنسيات والأعراق ليلبسن الحجاب يوما واحدا ليتم تصويرهن ونشر هذه الصور كنوع من الدعاية والإعلان , ثم يخلعنه بعد ذلك كل هذا عبث بأوامر الله ؛ لأن الحجاب عبادة لا بد فيه من النية والاحتساب والمداومة .

ثالثا : أن الحجاب الذي يرتدينه النساء في هذا اليوم يسيء كثيرا إلى هذه الفريضة الربانية , ويضرها أكثر مما ينفعها , ذلك لأن الحجاب الشرعي له شروط ومواصفات إن وجدت فقد وجد الحجاب الشرعي الذي أمر الله به النساء , وإن تخلفت هذه الشروط أو تخلف بعضها فهذا لا يسمى حجابا شرعيا , وقد سبق بيان هذه المواصفات في الفتوى رقم : (6991) , أما الحجاب الذي يرتدينه النساء في هذا الاحتفال فهو في الغالب لا يمت إلى الحجاب الشرعي بصِلةٍ , بل لا تلتزم المرأة فيه إلا بتغطية شعرها وجسدها , وهي مع ذلك ربما ارتدت البنطلون , وربما كانت الثياب ضيقة بحيث تصف تقاطيع الجسد , وربما وضعت مساحيق التجميل , وربما كان اللباس الذي ترتديه زينة في نفسه ملونا مزركشا مبهرجا يلفت الأنظار ويحرك القلوب المريضة . وهذا كله ينافي الحجاب الذي فرضه الله .
وعلى هذا ، فإن الاحتفال بما يسمى باليوم العالمي للحجاب أمر غير جائز , حتى وإن كانت نية أصحابه نية طيبة صالحة , إلا أن صلاح النية وحده لا يكفي , بل لا بد معه أن تكون الوسيلة مشروعة ليس فيها مخالفة لأمر الله سبحانه .

وأما إن اجتمع جماعة من المسلمين أو المسلمات في مكان ما وزمان ما ليدعوا إلى فريضة الحجاب ويبصروا الناس بها , فهذا أمر حسن وهو من المعروف الذي أمر الله سبحانه بالأمر به , ولكن لا بد من الالتزام بما يلي :
أن يتجنبوا مشابهة الكفار وعاداتهم في الاحتفال بمثل هذه الأمور .
ألا يُحدد يوم معين يتكرر كل سنة لأن هذا نوع من الابتداع كما سبق بيانه .
أن يدعوا النساء إلى الالتزام بالحجاب الشرعي بمواصفاته وشروطه التي بينها أهل العلم وسبق الإشارة إليها في الفتوى المحال عليها آنفا .
أن يُعْلِموا النساء أن الحجاب فريضة محكمة وعبادة عظيمة تعبَّد الله بها نساء المؤمنين ، فيجب عليهن أن يسارعن إليها وأن يداومن عليها , أما أن يدعوا النساء لارتداء الحجاب ليوم واحد أو يومين ونحو ذلك فهذا لا يجوز .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب