الحمد لله.
مدار السؤال على ثلاث مسائل : إتقان الإمام للقراءة ، والأحق بالإمامة ، والإخلال بحركات الصلاة .
أما المسألة الأولى فلها حالان :
الحال الأولى : إذا كان السائل يقصد بعدم إتقان إمامهم قراءة القرآن: أن الإمام يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغير معنى الآيات ، سواء كان الخطأ في الأحرف ، أو في الحركات ، مثل أن يقرأ (أنعمت) بكسر التاء أو ضمها : فصلاته باطلة ؛ ويجب عليه أن يصحح قراءته ، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الوجه الصحيح .
فإن عجز عن تعلم ذلك ، بعد اجتهاده فيه ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وصلاته صحيحة لنفسه ، ويجب أن لا يتقدم للإمامة إلا بمثله أو من هم دونه .
فإن تقدم وصلى بأقرأ منه : لم تصح صلاة من خلفه عند جمهور العلماء .
وقال بعض أهل العلم : تصح الصلاة خلفه ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين ؛ لأن من صحت صلاته لنفسه صحت إمامته لغيره [ ينظر " الشرح الممتع " (4/249) ، و" الإنصاف " للمرداوي (2/268) ] .
والحال الثانية : إن كان هذا الإمام يخطئ في الفاتحة خطأ لا يحيل المعنى ، أو كان يخطئ في غير الفاتحة ، فهذا يسميه العلماء " اللحّان " وصلاته صحيحة ، ويكره أن يتقدم أحدا أحسن قراءة منه ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ) رواه مسلم (673) ؛ وهذا ليس أقرأهم ، فخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقدمه ، وفيهم من هو أقرأ منه .
ويكره لهم أيضا أن يقدموه ، وفيهم من هو أقرأ منه .
فإن فعل : صحت صلاتهم .
قال في " الروض المربع " (3/307) : " وتكره إمامة... كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى .
فإن أحاله في غير الفاتحة : لم يمنع صحة إمامته ، إلا أن يتعمده " انتهى .
وينظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (43737) .
المسألة الثانية :
جاءت السنة مبينة أوصاف الأحق بالإمامة ، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وفي رواية فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا ، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِه ) رواه مسلم برقم (673) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه .
فعلم من الحديث أن الأولى تقديم : الأقرأ لكتاب الله ، ثم الأعلم بالسنة ، ثم الأسبق إلى الهجرة ، ثم الأسبق إلى الإسلام ، ثم الأكبر سنا .
فإن قُدّر أن كان في جماعتكم من هو أقرأ ، لكنه يجهل فقه الصلاة ، فيقدم عليه مَن يعلم فقه الصلاة ، بحيث لو طرأ طارئ ، فإن الأفقه يستطيع إكمال الصلاة دون إخلال .
قال شيخ الإسلام : " فإذا استويا في كمال الصلاة ... قدم الأقرأ ، ثم الأعلم بالسنة .
وإلا [ يعني : وإن لم يستويا في كمال الصلاة ] ؛ ففضل الصلاة في نفسها مقدم على صفة إمامها ، وما يحتاج إليه من العلم والدين فيها ، مقدم على ما يستحب من ذلك " . انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/244) .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 20219 ) ، ورقم: ( 1875 ) ، ورقم : ( 201552)
وهذا التقديم : تقديم استحباب ، فلا ينبغي أن يكون بينكم فيه نزاع .
قال ابن قدامة : " وهذا كله تقديم استحباب ، لا تقديم اشتراط ، ولا إيجاب ، لا نعلم فيه خلافا ، فلو قدم المفضول : كان ذلك جائزا ؛ لأن الأمر بهذا أمر أدب واستحباب " . انتهى من " المغني " (3/17) .
المسألة الثالثة : الإخلال بحركات الصلاة .
إذا كان الإمام يسرع - كما تقول - إسراعاً واضحاً يخلُّ بالطمأنينة ، فإن الصلاة لا تصح خلفه ، لعدم أهليته ، ولافتقاده ركناً من أركان الصلاة وهو " الطمأنينة في جميع الأركان " ويدل على ركنيتها حديث المسيء في صلاته المشهور .
أما إذا كانت سرعة الإمام نسبية ، بأن كان يحافظ على القدر الواجب من الطمأنينة ، فتجوز الصلاة خلفه .
والقدر الواجب من الطمأنينة : قيل : هو السكون وإن قلّ ، وقيل : هو السكون بقدر الذكر الواجب ، وهو الراجح .
قال الشيخ ابن عثيمين " فعلى هذا القول : يطمئن في الركوع بقدر ما يقول : " سبحان ربي العظيم " مرة واحدة ، وفي الاعتدال منه بقدر ما يقول : " ربنا ولك الحمد " ، وفي السجود بقدر ما يقول : " سبحان ربي الأعلى " ، وفي الجلوس بقدر ما يقول : " ربي اغفر لي " وهكذا " انتهى من "الشرح الممتع " (3/307) .
وللاستزادة ينظر جواب السؤال رقم : (6551) .
وأما رفع اليدين للتكبير فليس بواجب ، وإنما هو سنّة ، وينظر جواب السؤال رقم : (21439) .
وحاصل ذلك :
أنه ما دام ليس لكم إمام راتب ، وإنما تقدم الجماعة من يصلي بها في مصلى الجامعة ؛ فالمشروع في حقكم أن تقدموا الأقرأ لكتاب الله ، الأعرف بأحكام الصلاة ، الأحسن إقامة لها على مقتضى السنة والشرع في ذلك .
فإذا تنازعتم في تحديده ، فليحكم بينكم رجل من أهل العلم والحكمة ترتضونه .
ولا ينبغي أن تكون صلاة الجماعة التي شرعت لجمع القلوب ، سببا للفرقة والاختلاف ، الذي هو سبب الهلاك ، لا سيما وأنتم في بلاد الغربة ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب ) رواه مسلم (6947) .
فإن حصل بتقديم الأفضل نزاع وشقاق ، فإن مراعاة اجتماع القلوب على المفضول ، خير من تفرقها على الفاضل ، ما دام المفضول يصلي صلاة صحيحة .
وتقديم الأفضل مستحب ، واجتماع قلوب المسلمين واجب ، فكيف نفرط في الواجب لأجل المستحب ؟!
أما إن كان الإمام لا يحسن قراءة الفاتحة ، فلا يجوز – في الأحوال العادية والظروف المستقيمة - تقديمه للصلاة ، ما دام يوجد في المصلين من يحسنها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إمام مسجد يكسر في قراءة القرآن؟
فأجاب : " إن كان إماماً راتباً في المسجد فينبغي تبليغ المسؤولين عن حال هذا الرجل ليبدلوه بغيره .
وإن كان غير إمام راتب ، فإنه لا يجوز لأهل المسجد أن يمكنوه من الصلاة فيهم , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة... ) " انتهى من " مجموع فتاوى العثيمين " (15/157) .
والله أعلم .
تعليق