الحمد لله.
أولا :
هذه المسائل هي من سنن الصلاة وهي من مسائل الفروع والاجتهاد ، والخلاف فيها من الخلاف السائغ الذي لا يبدع فيه المخالف ولا ينكر فيه عليه ، لأنها لم يأت فيها حديث قاطع عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما وردت فيها أحاديث قد يختلف العلماء في صحتها ثم يختلفون في دلالتها ومعناها.
والعلماء في مثل ذلك لا يختلفون في صحة الصلاة ، وإنما يختلفون في الأفضل .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن كيفية النزول للسجود في الصلاة هل ينزل بيده أولا أو ينزل بركبتيه؟
فَأَجَابَ:
" أَمَّا الصَّلَاةُ بِكِلَيْهِمَا فَجَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ الْمُصَلِّي يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْحَالَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الْأَفْضَلِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/ 449).
وهكذا اختلافهم في كيفية وضع اليدين حال القيام ، وبعد الرفع من الركوع ، ورفع الأصبع في التشهد ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ، والقنوت في صلاة الفجر كل يوم ، ونحو هذه المسائل ، كلها من الاختلاف السائغ الذي يعود إلى الاجتهاد في النصوص ، في ثبوتها ودلالتها ، وذلك لا يضر الصلاة ، ولا يؤثر على صحتها . والمسلم في هذا يفعل ما يغلب على ظنه أنه هو الصواب بناء على الأدلة الواردة في المسألة إن كان أهلا للترجيح والنظر في الأدلة والأقوال ، أو يقلد عالما يثق في علمه ودينه .
ولا يزال المسلمون يصلي بعضهم خلف بعض ، مع اختلافهم في كثير من مسائل الصلاة ، دون أن ينكر بعضهم على بعض ، أو يبدع بعضهم بعضا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْرَؤُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْهَرُ بِهَا، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْنُتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ وَالْقَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ بِشَهْوَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ، مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَصَلَّى أَبُو يُوسُفَ خَلْفَ الرَّشِيدِ وَقَدْ احْتَجَمَ وَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُعِدْ. وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. تُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ؟! " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 374-375).
وراجع جواب السؤال رقم: (22652) لمعرفة الموقف الصحيح من اختلاف العلماء .
ثانيا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (165999) أن رفع السبابة في التشهد في الصلاة من السنة ، وذكرنا خلاف العلماء في موضع الرفع ، وبينا أنه من الخلاف السائغ ، وأن الأمر في هذا واسع ، ولا يوجب الفرقة بين المسلمين .
ثالثا :
وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة من السنة ، وقد بينا كيفية هذا الوضع في جواب السؤال رقم : (41675).
وقد اختلف أهل العلم في موضع اليدين : فقيل : على الصدر ، وقيل : فوق السرة ، وقيل : تحت السرة ، وهذا أيضا من الخلاف السائغ والاجتهاد المقبول ، ولا يلزم منه الفرقة والاختلاف ، قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (2/ 33):
" العَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ: أَنْ يَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ عِنْدَهُمْ " انتهى .
ولكن وضعهما على الصدر هو الأفضل .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" السنة أن يضع يمينه على شماله في الصلاة حال الوقوف في الصلاة، قبل الركوع وبعده، واختلف أهل العلم في محلها، فقيل: على صدره. وقيل: على سرته. وقيل تحت سرته، وأصح ما ورد: على صدره، هذا هو الأفضل، والأمر في هذا واسع إن شاء الله " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 147)
والله تعالى أعلم .
تعليق