الحمد لله.
روث وبول الحيوان قسمان :
القسم الأول : بول وروث الحيوان الذي يجوز أكل لحمِه ، وشرب لبنه كالغنم والبقر .
فقد ثبت في السنة ما يدل على طهارة هذه الأبوال والأوراث ، ومن ذلك :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ، قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ ، فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ " رواه البخاري ( 234 ) ، ومسلم ( 524 ) .
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : " قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا " رواه البخاري ( 233 ) ، ومسلم ( 1671 ) .
اجتووا المدينة : لم توافقهم الإقامة فيها ، ولم يوافقهم طعامها .
واللِّقاح : الإبل الحلوب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" أما بول ما يؤكل لحمه ، وروث ذلك ، فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس ، وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويقال: إنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك ؛ بل القول بنجاسة ذلك قول محدث لا سلف له من الصحابة . وقد بسطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد ، وبينا فيه بضعة عشر دليلا شرعيا ، وأن ذلك ليس بنجس " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 21 / 613 ) .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : ( 111786 ) .
وبناء على هذا ، فالسماد المأخوذ من روث هذه الحيوانات طاهر ، ويجوز الصلاة على الأرض المختلطة به ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم ، وهي لا تخلو من أرواثها وأبوالها .
القسم الثاني : روث وبول مالا يُؤكَل لحمُه كالحمار والخنزير ، وهو نجس عند جماهير العلماء .
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - :
" وأمّا العذرات وأبوال ما لا يؤكل لحمه ، فقليل ذلك وكثيره رجسٌ نجس عند الجمهور من السلف ، وعليه جماعة فقهاء الأمصار " انتهى من " الاستذكار " ( 3 / 205 ).
وقال ابن القطان رحمه الله تعالى :
" ولا أعلم في تنجيس بول الخنزير خلافًا " انتهى من " الاقناع في مسائل الإجماع " ( 1 / 110).
وهذا الروث النجس له حالتان :
الأولى : أن يكون باقيا على حالته بلا تغيير .
فالأرض المختلطة به نجسة ، لا تجوز الصلاة عليها ، لأن من شروط صحة الصلاة طهارة المكان الذي يُصَلَّى عليه .
قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى :
" وأجمع العلماء على غسل النّجاسات كلّها من الثّياب والبدن وألّا يصلّى بشيء منها في الأرض ، ولا في الثّياب " انتهى من " الاستذكار " ( 3 / 205 ) .
الحالة الثانية : أن يتم تصنيع السماد من هذا الروث ، فيتحول الروث إلى مادة أخرى ويذهب الخبث الذي فيه ، كالرائحة ، ويصير طيبا لا خبث فيه ، وهذا ما يعرف عنه العلماء بـ (الاستحالة) . أي : تحول المادة النجسة إلى مادة أخرى ، والصحيح من أقوال العلماء أن النجاسة إذا تحولت إلى مادة أخرى فإنها تطهر .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اختلاف العلماء في طهارة الشيء النجس بالاستحالة ، فكان مما قال :
"والقول الثاني : وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحد قولي المالكية وغيرهم ، أنها لا تبقى نجسة . وهذا هو الصواب ، فإن هذه الأعيان لم يتناولها نص التحريم لا لفظا ولا معنى ، وليست في معنى النصوص ، بل هي أعيان طيبة فيتناولها نص التحليل" انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 21 / 610 – 611 ) .
وانظر لمزيد الفائدة حول طهارة النجاسة بالاستحالة إلى الفتو رقم: (97541) ، (141556) .
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا الروث النجس إذا مرت عليه مدة وتحول إلى تراب ، فإنه يطهر بذلك ، ويكون هذا التحول كافيا للحكم عليه بالطهارة .
فإنه قد سئل : عَنْ اسْتِحَالَةِ النَّجَاسَةِ كَرَمَادِ السِّرْجِينِ (الروث) النَّجِسِ ، وَالزِّبْلِ النَّجِسِ تُصِيبُهُ الرِّيحُ وَالشَّمْسُ فَيَسْتَحِيلُ تُرَابًا. فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .
فَأَجَابَ:
"وَأَمَّا اسْتِحَالَةُ النَّجَاسَةِ، كَرَمَادِ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالزِّبْلِ النَّجِسِ يَسْتَحِيلُ تُرَابًا فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد. أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ" انتهى من مجموع الفتاوى (21/479) .
وخلاصة الجواب :
أن هذا الروث النجس إن بقي على حالته بلا تغير فهو نجس ولا تجوز الصلاة على الأرض المختلطة به ، وإن كان قد تحول إلى مادة أخرى ، وزال عنه الخبث الذي فيه فهو طاهر وتجوز الصلاة على الأرض المختلطة به .
والله أعلم .
تعليق