الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

يمتنعون من صلاة العيد خلف من يخالفهم في عدد التكبيرات الزوائد

السؤال


هل تكبيرات صلاة العيد 6 أم 12؟ لأن هناك خلافاً كبيراً بين الإخوة الحنفيين والسلفيين حول هذه المسألة ، حيث يقول السلفيون : إنهم لن يصلوا مع الأحناف إلا إذا كان عندهم استعداد لأداء تكبيرات صلاة العيد 12 تكبيرة في الركعتين ، وأولئك فيما يبدو غير مستعدين لهذا الأمر ، لذلك فإن صلاة العيد تقام مرتين في نفس المكان لكن بتوقيت مختلف . فما رأي الشرع ؟ وهل يمكن التوصل الى حل وسط بحيث تؤدى الصلاة مرة بالمذهب الحنفي والمرة الأخرى ، أي العيد الثاني ، بالطريقة السلفية ؟

ملخص الجواب

فالحاصل : أن الاختلاف في عدد التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين لا يجيز تفريق المسلمين وإقامة صلاة أخرى ؛ فإن صلاة العيد مرتين ، كل جماعة تصلي لنفسها ، بدعة منكرة ، وفيها من تفريق صف المسلمين : ما لا يخفى على عاقل ، ولا يمكن أن يأتي شرع ، أو ترشد سنة إلى مثل ذلك . فلا يجوز أن يقال : نصلي مرة على الطريقة السلفية ، ومرة أخرى على الطريقة الحنفية ، بل الجميع مأمور بطريقة واحدة وهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهي الطريقة التي عليها أئمة الإسلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ، وما اختلف فيه الصحابة والعلماء اختلافا جائزا ، فلتتسع صدورنا لهذا الاختلاف . نسأل الله تعالى أن يجمع المسلمين على الحق وأن يؤلف بين قلوبهم . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الصحابة والتابعون والأئمة على أكثر من عشرة أقوال .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/ 209):
" قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : إِنَّ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ فِيهَا سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ فِي الأْولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ.
وَيَبْدُو أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ تَكْبِيرَةَ الإْحْرَامِ فِي السَّبْعِ فِي الرَّكْعَةِ الأْولَى، كَمَا يَعُدُّونَ تَكْبِيرَةَ النُّهُوضِ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ...
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ صَلاَةَ الْعِيدَيْنِ فِيهَا سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدُ : ثَلاَثٌ فِي الأْولَى وَثَلاَثٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَبِهَذَا قَال ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الأْشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَعُلَمَاءُ الْكُوفَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ سَبْعٌ فِي الأْولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ تِسْعَةَ عَشَرَ قَوْلاً فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ ...." انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّكْبِيرِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ .
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنْ السَّبْعِ فِي الْأُولَى ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى سَبْعٌ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعٌ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : فِي الْأُولَى ثَلَاثٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ..... إلخ " انتهى من "نيل الأوطار" (3/ 355) .
وأصح ما ورد في السنة : حديث عائشة رضي الله عنها : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا " رواه أبو داود (1149) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" . وهو قول أكثر أهل العلم .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ حِسَانٍ ... وَأَمَّا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ اخْتِلَافًا كَبِيرًا، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ " انتهى من " التمهيد " (16/ 37-39).
وانظر إجابة السؤال رقم : (36491) .

ثانيا :
الخلاف في مثل هذه المسائل : هو من الخلاف السائغ ، الذي لا يُنكر فيه على المخالف ، وكيف ينكر عليه وهو مروي عن الصحابة رضي الله عنهم ، وهم أئمة الاجتهاد ، وأهل السنة والاتباع ؟!
ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى جواز كل ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في التكبيرات الزوائد في صلاة العيد ، فقال : " اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التكبير . وكله جائز" انتهى من " الفروع " (3/201) .

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر أنه يكبر في الركعة الأولى سبعا ، وفي الثانية خمسا ، قال :
"ولكن لو أنه خالف فجعلها خمساً في الأولى والثانية ، أو سبعاً في الأولى والثانية ، حسب ما ورد عن الصحابة ، فقد قال الإمام أحمد : اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير، وكله جائز، أي: أن الإمام أحمد يرى أن الأمر في هذا واسع ، وأن الإنسان لو كبّر على غير هذا الوجه ، مما جاء عن الصحابة ، فإنه لا بأس به .
وهذه جادة مذهب الإمام أحمد نفسه - أنه يرى أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل قاطع ، فإنه كله يكون جائزاً ؛ لأنه يعظم كلام الصحابة ويحترمه ، فيقول: إذا لم يكن هناك نص فاصل يمنع من أحد الأقوال فإن الأمر في هذا واسع .
ولا شك أن هذا الذي نحا إليه الإمام أحمد من أفضل ما يكون لجمع الأمة واتفاق كلمتها؛ لأن من الناس من يجعل الاختلاف في الرأي الذي يسوغ فيه الاجتهاد سبباً للفرقة والشتات ، حتى إنه ليضلل أخاه بأمر قد يكون فيه هو الضال .
وهذا من المحنة التي انتشرت في هذا العصر ، على ما في هذا العصر من التفاؤل الطيب في هذه اليقظة من الشباب خاصة ، فإنه ربما تفسد هذه اليقظة ، وتعود إلى سبات عميق بسبب هذا التفرق ، وأن كل واحد منهم إذا خالفه أخوه في مسألة اجتهادية ، ليس فيها نص قاطع : ذهب ينفر عنه ويسبّه ويتكلم فيه ، وهذه محنة ، أفرحُ من يفرح بها : أعداء هذه اليقظة ...
وإذا كان الأمر قابلاً للاجتهاد، فليعذر أحدنا أخاه فيما اجتهد فيه ...
ولا بأس من النقاش المفيد الهادئ بين الإخوة ...
فأقول: جزى الله الإمام أحمد خيراً على هذه الطريقة الحسنة : أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل ، فإن الأمر يكون واسعاً ، كله جائز" .
انتهى من " الشرح الممتع "(5/135-138) .

وبهذا يتبين أنه لا حرج على من فعل ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ، وإن كان الأفضل أن يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا .

ثالثا :
الواجب : أن يكون السعي إلى ائتلاف القلوب واجتماعها ، فذلك أصل من أصول الدين ، فلا يجوز هدم هذا الأصل بسبب سنة مستحبة من السنن التي من تركها فلا حرج عليه ولا إثم ،
نعم ؛ لا مانع من المناقشة والمباحثة والحوار الهادئ لنصل إلى أقوى الأقوال وأقربها إلى السنة ، ولكن إذا لم يحدث هذا الاتفاق ، وكان كل طرف يرى أنه الأقرب إلى السنة ، ويقتدي بمن سبقه إلى هذا القول من الصحابة والتابعين والأئمة ، فالواجب حينئذ أن يجتمع المسلمون في المدينة على إمام واحد ، وفي صلاة واحدة ، وأن لا يتفرقوا ـ فإن تفرقهم ذلك من الشيطان ، ويفرح به أعداؤهم .

وقد سبق في الفتوى رقم : (12585) أن الإمام إذا فعل في الصلاة ما يرى المأموم عدم مشروعيته فإن الواجب على المأموم أن يتابعه ، ما دامت المسألة من المسائل الاجتهادية .
وماذا كان سيصنع هؤلاء لو قُدِّرْ لهم أن يصلوا خلف الصحابة الأجلاء ، كعبد الله بن مسعود أو أبي موسى الأشعري أو أبي مسعود البدري ! وقد كانوا يكبرون ثلاثا في الركعة الأولى ، وثلاثا في الركعة الثانية .
هل كانوا سيتركون الصلاة خلف هؤلاء الأئمة الأعلام ؟ وهم أئمة الأمة وأغزرها علما وأبرها قلوبا ؟!

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب