الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

علاج الوسوسة بالاستعاذة بالله من الشيطان والإعراض عنها

السؤال


أعاني من وساوس تتعلق بقدرة الله عز وجل وأنه على كل شيء قدير حيث تأتيني أفكار غريبة غير منطقية أحاول إخضاعها في ذهني لقدرة الله مما تجعلني أظن أنّ الله لا يقدر على مثل هذه الأشياء ويأتيني الوسواس بسبب ذلك أنني كفرت ولا أدري كيف يمكنني التخلص من هذه المشكلة فأرجو نصحي وتوجيهي.

الجواب

الحمد لله.


إذا كان عندك خزان تتسرب منه المياه عن طريق صنبور فليس الحل هو تجفيف المياه المتسربة ، ولكن الحل هو إغلاق هذا الصنبور بإحكام ، حتى توقف تسرب المياه .
وهذا هو المطلوب منك الآن ؛ فإنك لن تستفيد شيئاً إذا حصلتَ على إجابة للجزئيتين المذكورتين في السؤال ، لأن حبل الأفكار لن ينقطع ، وخزان الشيطان من الوساوس مليء ولا ينضب ، وصنبورك إليها مفتوح ، فمتى تنتهي من تلك الإشكالات ؟

فالحل هو : أن تسعى لإيقاف تلك الوساوس ، ويكون ذلك بأمرين :
الأول : الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، وكثرة ذكر الله تعالى وقراءة القرآن ، لاسيما سورة الفاتحة والبقرة والمعوذات وآية الكرسي ، فأكثر من ذلك ما استطعت .
قال الله تعالى : (َوَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت/36.
وقال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) المؤمنون/97-98 .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا ، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ . كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

الثاني : الإعراض التام عن تلك الوساوس وعدم التفكير فيها والانشغال بها ، ولا تبحث لها عن حل ولا جواب ، فإن هذا هو ما يريده الشيطان منك : أن تنشغل بوساوسه حتى ينكد عليك حياتك ويفسد عليك دينك ودنياك .
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذين الأمرين في حديث واحد فقال حينما سئل عن بعض تلك الوساوس التي تأتي للإنسان : (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ ، وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134) .
قال النووي :
"أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) فَمَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ ، وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته ، وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا . وَاَللَّه أَعْلَم" انتهى .
وقال الخطابي رحمه الله :
"وَجْه هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ ، فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ : اِنْدَفَعَ ، قَالَ : وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَرَّضَ أَحَد مِنْ الْبَشَر بِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُمْكِن قَطْعه بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَان ، قَالَ : وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْآدَمِيّ يَقَع مِنْهُ الْكَلَام بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَاب ، وَالْحَال مَعَهُ مَحْصُور ، فَإِذَا رَاعَى الطَّرِيقَة ، وَأَصَابَ الْحُجَّة : اِنْقَطَعَ .
وَأَمَّا الشَّيْطَان : فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء ، بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة : زَاغَ إِلَى غَيْرهَا ، إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة ، نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى .

وقال ابن حجر الفقيه الشافعي في علاج الوسوسة ، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى 1/149 ، وقد سئل : عن داء الوسوسة هل له دواء ؟
فأجاب : "له دواء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان ؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك : لم يثبت ؛ بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جرب ذلك الموفقون.
وأما من أصغى إليها ، وعمل بقضيتها : فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم ، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها ، وأصغوا إليها وإلى شيطانها ...
وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته ، وهو أن من ابتلي بالوسوسة (فليستعذ بالله ولينته) . فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته .
واعلم أن من حُرمه ، فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا ، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام، وهو لا يشعر ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 " انتهى.

وبهذا يتبين لك أن وساوس الشيطان لا تقطع بالبحث عن إجابة لها ، بل تنقطع بالاستعانة بالله تعالى والإعراض عنها .
نسأل الله تعالى أن يعيذك من الشيطان الرجيم .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب