الحمد لله.
أولا :
عيسى ابن مريم عليه السلام ، أحد أولي العزم من الرسل ، أرسله الله إلى بني إسرائيل ، وعلمه التوراة والإنجيل ، وأخبر أنه جاء مصدقا لما في التوراة ، مقررا لها ومؤمنا بها ، إلا أنه نسخ بعض أحكامها ، وكان يتكلم بالعبرية لسان بني إسرائيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أن قوم موسى عليه السلام هم بنو إسرائيل ، وبلسانهم نزلت التوراة ، وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلام ، وبلسانهم كان المسيح يتكلم ، فلم يخاطب أحد من الرسولين أحدا إلا باللسان العبراني ، لم يتكلم أحد منهما لا برومية ولا سريانية ولا يونانية ولا قبطية " انتهى من "الجواب الصحيح " (2/94) .
وقال أيضا : " فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن يتكلم إلا بالعبرية ، كسائر أنبياء بني إسرائيل ، وأنه كان يصلي إلى قبلتهم ، لم يكن يصلي إلى الشرق ولا أمر بالصلاة إلى الشرق " انتهى من "الجواب الصحيح " (3/32) .
ثانيا :
يطلق النصارى على نبي الله عيسى عليه السلام اسم " يسوع " ، وهو في اللغة العبرانية بالشين " يشوع " ، وهو اسم مركب من كلمتين "يهوه - شوع" ومعناه "المخلّص" وقد كان هذا الاسم منتشرًا بين أسباط بني إسرائيل ، ومنهم: "يشوع بن نون" "يوشع" فتى موسى عليه السلام ، وقد صار نبيا بعده عليه السلام .
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله :
" لفظ " عيسى " معرب " يشوع " بقلب الحروف ، بعد جعل المعجمة مهملة [أي بعد جعل الشين سينا] وهذا يكثر في المنقول من العبرانية إلى العربية. فسين المسيح وموسى : شين في العبرانية، وكذلك سين شمس فهي عندهم بمعجمتين " انتهى من " تفسير المنار " (3/ 251) .
وقال القاسمي رحمه الله :
" عِيسَى معرب يسوع ، كلمة يونانية معناها (مخلّص) ويرادفها (يشوع) بالمعجمة، إلا أنها عبرانية " انتهى من " تفسير القاسمي " (2/ 318) .
وقال الشوكاني رحمه الله:
" و"المسيح" اختلف فيه ممّ ذا أُخِذَ؟ فَقِيلَ: مِنَ الْمَسْحِ ، لِأَنَّهُ: مَسَحَ الْأَرْضَ، أَيْ: ذَهَبَ فِيهَا فَلَمْ يَسْتَكِنَّ بِكُنٍّ وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا برىء، فَسُمِّيَ مَسِيحًا، فَهُوَ عَلَى هَذَيْنِ: فَعَيْلٌ، بِمَعْنَى: فَاعِلٍ ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ بِالدُّهْنِ الَّذِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَمْسَحُ بِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَمْسُوحَ الْأَخْمَصَيْنِ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْجَمَالَ مَسَحَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالتَّطْهِيرِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْوَالِ: فَعِيلٌ، بِمَعْنَى: مَفْعُولٍ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: الْمَسِيحُ ضِدُّ الْمَسِيخِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ: مَشِيخًا، بِالْمُعْجَمَتَيْنِ، فَعُرِّبَ كَمَا عُرِّبَ مُوشَى بِمُوسَى.
و"عِيسَى" اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَقِيلَ: هُوَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مَنْ عَاسَهُ يَعُوسُهُ ، إِذَا سَاسَهُ.
قَالَ فِي الْكَشَّافِ: هُوَ مُعَرَّبٌ مِنْ أَيْشُوعَ. انْتَهَى.
وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الْإِنْجِيلِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ اسْمَهُ يَشُوعُ ، بِدُونِ هَمْزَةٍ " .
انتهى من "فتح القدير" (1/ 391) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَدْعُونَهُ يَشُوعَ النَّاصِرِيَّ ، أَوِ النَّصْرِيَّ " .
انتهى من " التحرير والتنوير " (1/ 533)
وجاء في "إنجيل يوحنا" ( 18: 1- 9) :
" فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفرّيسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو ... "
فكان المسيح عليه السلام معروفا بين اليهود وبني إسرائيل كلهم بـ" يسوع - أو يشوع الناصري " نسبة إلى بلدة الناصرة .
وذكروا أن كلمة " المسيح " هي لقب يهودي مذكور في (التوراة) يقصد به كل نبي، وكل ملك يهودي من ملوكهم كانوا يدعونه المسيح ، ومعناه: " المختار من الله " كما جاء عن المسيح عيسى عليه السلام في "إنجيل مرقص" (8: 29) وجاء في "مزمور" (105 : 15) عن جميع أنبياء الله .
فكان الاسم عند اليهود " يشوع " يعني المختار الذي اختاره الرب، والمخلّص ، إلا أنهم لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام ، وسعوا في قتله والخلاص منه ، فأنجاه الله منهم ، ورفعه إليه .
ثالثا :
اسم المسيح عليه السلام في القرآن " عيسى " وهو تعريب لاسمه بالعبرانية " يشوع "
والقرآن نزل بلسان العرب ، ولا اختلاف في الحقيقة بين الاسمين ، فإن الأسماء
الأعجمية عندما تعرب يحصل فيها شيء من التغيير .
وانظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (10277).
والله تعالى أعلم .
تعليق