الحمد لله.
أولا : من أعظم المحرمات التي قد يتهاون بها الكثير من الناس :
الظلم في قسمة المواريث ، وعدم مراعاة العدل الذي شرعه الله ، وقد بين الله تعالى أحكام المواريث ونصيب كل وارث ، ثم توعد من يخالف هذه الأحكام بقوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13-14 .
قال الشوكاني رحمه الله : “والإشارة بقوله (تلك) إلى الأحكام المتقدمة [ومنها أحكام المواريث] ، وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ، ولا يحل يعديها” انتهى من “فتح القدير” (2/99) .
ويتأكد التحريم هنا ويزداد إثما لما فيه من اغتصاب الأرض – وهو بمجرده من كبائر الذنوب – ولما فيه من قطيعة الرحم ، وظلم الأخوات .
روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).
وينظر جواب السؤال رقم (105529).
وقد أحسنتم بإعانة أبيكم على التوبة ورد الحقوق إلى أصحابها ، وهذا من أحسن المعروف والبر الذي تقدمونه إلى أبيكم ، نسأل الله تعالى أن يتقبل سعيكم ، ويجزيكم عليه خيرا .
ثانيا :
إذا توفي الرجل عن ثلاثة أبناء وأربع بنات ، فإن التركة تقسم على عشرة أجزاء متساوية ، يكون لكل ابن منهما سهمان ، ولكل بنت سهم واحد .
وعلى هذا ، فنصيب الابن من أرض الخمسين 9.6 قيراط.
ونصيب البنت منها 4.8 قيراط .
ونصيب الابن من أرض الدلالة 13.8 قيراط .
ونصيب البنت منها 6.9 قيراط .
وبهذا يتبين أن أباكم أخذ من أرض الخميس 6.4 قيراط أكثر من حقه ، وأعطى لعماتكم مقابلها 6.8 قيراط من أرض الدلالة ، وأنتم تقولون إن هذه ليست قسمة عادلة ، لأن أرض الخميس أفضل سعرا من أرض الدلالة بالضعف تقريبا .
فيكون الطريق للتوبة وتحقيق العدل ورد الحق إلى صاحبه أحد أمرين :
الأول :
أن تأخذوا من عماتكم الثلاثة 6.8 قيراط من أرض الدلالة ، وتعطوهن 6.4 قيراط من أرض الخميس .
وهذا هو الواجب عليكم إذا طالبت العمات بذلك ، لأن حقهن في الأرض نفسها التي تركها أبوهن (جدكم) .
الأمر الثاني :
أن يتم تقويم الأرضين تقويما عادلا ، فينظر : كم يساوي (6,4) قيراطا ، من أرض الخمسين ، وكم تساوي (6,8) قيراطا من أرض البدالة . والفرق بين السعرين : يعطى للعمات، إما نقودا، وإما أرضا.
فإذا افترضنا – مثلا – أن هذا المساحة من أرض الخمسين ، تساوي خسمين ألفا ، والمساحة المذكورة من أرض البدالة ، تساوي ثلاثين ؛ فسوف يكون الفرق بين السعرين : هو عشرين ألفا، توزع بين العمات ، بالتساوي ، أو يأخذهن ما يساوي ذلك أرضا .
ولكن هذا الحل الثاني لا تجبر عليه العمات ، بل لا يجوز إلا برضاهن ، لأنه يكون بيعا منهن لنصيبهن من الأرض ، ولا يجوز إجبار الإنسان على بيع ملكه ، قال الله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ
تَرَاضٍ ) رواه ابن ماجة (2185) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ويقسم ما تأخذونه منهن أو تعطونه لهن عليهن الثلاثة ، لأن الحق لهن جميعا ، وليس لواحدة منهن .
ونسال الله تعالى أن يوفق والدكم للتوبة ، وأن يتقبل منكم .
والله أعلم .
تعليق