الحمد لله.
أولا :
مما ينبغي أن يعلم أن "الغلو" مذموم كله ، فلم يمدح الغلو في عمل ، ولا خلق ، ولا هدي ، ولا سلوك ، ولا دين ، ولا دنيا .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : روى النسائي (3057) من حديث ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) صححه الألباني في "صحيح النسائي" وغيره .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (103889) .
ومن هذا الغلو المذموم : الغلو في التعلق بالأشخاص :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا" . رواه الترمذي (1997) ، وصححه الألباني .
وينظر أيضا للفائدة : جواب السؤال رقم (127838) ورقم (176289) .
ومما ينبغي أن يعلم أيضا : أن التكلف – أيضا – مذموم ، في الأمر كله : قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .
وفي صحيح البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال : قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ :( نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ ) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (128555).
ثانيا :
المبالغة في التعلق تفضي عادة إلى المبالغة في المدح ، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المبالغة بـ"الذبح" ؛ لما فيها من الهلاك للممدوح . فعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) . رواه ابن ماجه (3743) وغيره ، وحسنه الألباني .
وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ: ( لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ) . رواه البخاري 6060 ومسلم (3001)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ) ، مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ، لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا ) . رواه البخاري 6061 ومسلم (3000)
ثالثا :
الواجب عليك أن تنصحي صاحبتك برفق ، وتبيني لها أدب الشرع في ذلك ، وأن الغلو والإفراط مذموم كله ، وأن من تحب أختها حبا صادقا ، لا تكون سببا في هلاكها ، ولا تمدحها بما يقطع عنقها ، بل تدعو لها في سرها وغيبها ، وتسأل الله أن يجعل هذه المحبة لله ، وخالصة فيه ، وأن يجعلها عونا على طاعته سبحانه .
فإن أبى المادح ، إلا أن يخالف أدب الشرع ، ويهلك صاحبه بغلوه ، وكلامه عنه ، فليسد الممدوح ذلك الباب عن نفسه ، ولينأ عن ذلك بالكلية .
عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ .
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ" , رواه مسلم (3002)
قال الحليمي رحمه الله : " وَذَلِكَ لأَنَّ الأَغْلَبَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، فَيَغُرُّونَ الْمَمْدُوحَ، فَإِذَا حُثِيَ التُّرَابُ فِي وَجْهِ الْمَادِحِ, فَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَغْتَرُّوا، وَأَيِسَ الْمَادِحُ مِنْ أَنْ يَغُرَّهُ." انتهى. نقله البيهقي في "شعب الإيمان" (6/497) .
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُكِّيَ ، قَالَ:
( اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ ) . رواه البخاري في الأدب المفرد (761) وصحح الألباني إسناده .
والله أعلم .
تعليق