الحمد لله.
حب المشايخ من أهل السنة والجماعة محمود ، وخاصة إذا أدى ذلك إلى المزيد من الالتزام والتدين ، والانتفاع بما عندهم ويدعون الناس إليه من العلم والدين .
ولكن يشترط لذلك القصد فيه بلا إفراط أو مبالغة لا تحمد عواقبها ، فحب الشيخ إذا ترتب عليه حضور المحاضرات والدروس ، ومصاحبة أهل الخير والتأسي به وبهم في طلب العلم وطاعة الله وعبادته ، فهو حب شرعي ؛ ومن أحب قوما حشر معهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم
وقد روى البخاري (6169) ومسلم (2641) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
وإذا كانت محبته إياه ليست إلا مجرد الشغف به ، وحب لقائه واستحسان النظر إليه وإلى صورته في التليفزيون أو المجلات ونحو ذلك ، وهي مع ذلك لا تقربه إلى الله فمحبته له مدخولة مذمومة.
وإذا كان حاله في محبته يجمع بين حضور المحاضرات والدروس ، ومصاحبة أهل الخير وحب طلب العلم ، وبين الشغف به وحب النظر إليه وإلى صورته وحب التشبه به في لبسه وهيئته ، فهو محمود على مؤدى المحبة الحميد المتمثل في البر والطاعة ، ومذموم على مؤداها غير الحميد المتمثل في الإفراط في محبته والعناية الزائدة به .
وإذا كان له فضل تعلق به ، من غير وقوع في محذور شرعي ، من غلو أو إفراط ، أو تقليد مذموم ، أو تعلق منحرف أو شاذ بصورته : فمثل هذا لا بأس به إن شاء الله .
وليعلم أن من أوسع أودية الباطل الغلو في الصالحين :
روى النسائي (3057) من حديث ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) صححه الألباني في “صحيح النسائي” وغيره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” قوله ( إياكم والغلو في الدين ) عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال . والغلو هو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك ” انتهى .
“اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم” (ص 106)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قد كَثُر في الوقت الأخير إطلاق الإمام عند النَّاس ؛ حتى إِنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم ، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّناً ، لكنه يتعدَّى إلى المعنى ؛ لأنَّ الإِنسان إِذا رأى هذا يُوصفُ بالإِمام تكون أقوالُه عنده قدوة ؛ مع أنَّه لا يستحِقُّ ” انتهى .
“الشرح الممتع” (1 /17)
وقال علماء اللجنة الدائمة :
” الغلو في محبة الشخص وتعلق القلب به لذاته حتى لا يستطيع فراقه والإعجاب به إلى حد الغرام ليس من المحبة في الله ، بل ذلك خلل في التوحيد ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (1 /472)
والضابط في حب المشايخ حتى يكون في الله : أن يكون متمثلا في الاقتداء بهم في الخير وأعمال البر والمعروف ، ومصاحبتهم وحضور دروسهم العلمية وسؤالهم عند الحاجة إلى ذلك ، والدعاء لهم بظهر الغيب ، والثناء عليهم ونحو ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (127838) .
فالواجب علينا القصد في محبة المشايخ وعدم الغلو في ذلك ، وأن نتحرى الاعتدال والقصد في كل شيء من أمور ديننا ودنيانا .
وإياك إياك أن تعلق أمر دينك بشيخ من الشيوخ ، مهما ذهب في واد ، كنت وراءه ؛ بل اجعل همك وطلبتك من يوصلك إلى طريق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ واجعل تقليدك لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، وهدي أصحابه الكرام , وسنتهم ؛ فإن حب المشايخ إنما هو تبع لحب النبي صلى الله عليه وسلم وحب دينه وشرعه ، وعلى قدر تمسك هؤلاء المشايخ بالدين والشرع تكون محبتهم .
وينظر جواب السؤال رقم (170954) .
والله تعالى أعلم .
تعليق