الحمد لله.
أولاً:
لا يحل لمسلم أن يتهم مسلمًا أو مسلمةً بالسرقة إلا بإقرار السارق أو بوجود بينة معتبرة ، والبينة هي شهادة رجلين عدلين ، وعند بعض العلماء جواز إثبات السرقة بالقرائن الواضحة .
ففي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (24/ 332): " اتفق الفقهاء على أن السرقة تثبت بالإقرار أو بالبينة.
وعند بعضهم أن السرقة تثبت باليمين المردودة ، وعند غيرهم يجوز إثباتها بالقرائن .
والإقرار : إقرار السارق إذا كان مكلفا بأن كان بالغا عاقلا. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن السارق يجب أن يكون مختارا في إقراره ، فإن أكره على الإقرار بحبس أو ضرب أو نحوهما ، فلا يعتد بهذا الإقرار.
أما البينة فهي : شهادة رجلين تتوافر فيهما شروط تحمل الشهادة وشروط أدائها ، ولا تقبل شهادة رجل واحد ولو مع يمين المسروق منه
أما القرائن : فجمهور الفقهاء على أن حد السرقة لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة .
ويرى بعضهم جواز ثبوت السرقة ، ومن ثم إقامة الحد وضمان المال ، بالقرائن والأمارات إذا كانت ظاهرة الدلالة ، باعتبارها من السياسة الشرعية التي تُخرج الحق من الظالم الفاجر .
قال ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص8) : " لم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم ، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار ؛ فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب ، ووجود المال معه نص صريح لا تتطرق إليه شبهة " انتهى بتصرف يسير.
فما لم يوجد إقرار من السارق ، أو بينة معتبرة مثل وجود المال المسروق معه ؛ فيحرم اتهامه بالسرقة ، واتهامه من الظلم البين .
وقد أمرنا الله تعالى باجتناب الظن ، وتوعد على ظلم الآخرين واتهامهم بما ليس فيهم ، فقال تعالى في الأولى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا الحجرات/ 12 .
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا رواه البخاري ( 4849 ) ، ومسلم ( 2563 ) .
قال القرطبي رحمه الله : "وَالَّذِي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عَمَّا سِوَاهَا ، أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُعْرَفْ لَهُ أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ : كان حراما واجب الاجتناب ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَظْنُونُ بِهِ مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْرَ وَالصَّلَاحَ ، وَأُونِسَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فِي الظَّاهِرِ ، فَظَنُّ الْفَسَادِ بِهِ وَالْخِيَانَة:ِ مُحَرَّمٌ " انتهى من "تفسير القرطبي" (16/331) .
وقال الله تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا الأحزاب/ 58 .
وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه مسلم (2578) .
وينظر جواب السؤال رقم : (112196) ففيه بيان كيف يجتنب المسلم سوء الظن بالناس .
ثانيًا:
إذا لم يكن عند عمك بينة ، أو قرينة ظاهرة لا لبس فيها ، تُثبت أن الخادمة هي من سرقت ؛ فحينها يكون ظالمًا لها ، وقد وعد الله المظلوم بنصرته واستجابة دعائه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ رواه الترمذي (2525) صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
فدل هذا الحديث على مشروعية دعاء المظلوم على من ظلمه ، لكن لا يدعو عليه بغير مظلمته ، ولا يعتدي عليه في الدعاء ، فيظلمه هو الآخر .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (71152) .
أما إذا كان عمك لديه بينة ، أو قرينة معتبرة للدلالة على سرقتها ، إلا أن الحقيقة أن الخادمة لم تسرق ، فهو معذور في اتهامها لحدوث لبس أو غموض في الأمر .
والذي يظهر، والمأمول من عفو الله وكرمه: أن يعوضها الله من فضله وكرمه، ما يجبر كسرها ، ويكافئ مظلمتها، أو يزيد؛ وألا يستجيب لها في دعائها على عمك، إذا كان لم يقصد ظلمها، ولم يفرط فيما يجب عليه من التثبت الواجب، وحفظ الحقوق ، وصون الأعراض . وهو معذور إذا عمل بما يقره عليه الشرع ، من القرائن الظاهرة، وعلم الغيوب عند رب العالمين.
والله أعلم.
تعليق