الأربعاء 19 جمادى الأولى 1446 - 20 نوفمبر 2024
العربية

الرد على مقولة: أنا آخذ من الكتاب والسنة مباشرة دون حاجة لعلماء

390941

تاريخ النشر : 29-09-2022

المشاهدات : 8039

السؤال

كيف أرد على بعض أقاربي الذين يقولون عندما أعرض عليهم كلام العلماء، الذي يبين لهم أن بعض ما يفعلونه حرام مع الدليل، فيقولون: نحن نأخذ الدين من الكتاب والسنة مباشرة دون واسطة العلماء؛ لأن كل واحد يقدر يفسر الكتاب والسنة على هواه، وبما يشتهيه، وهؤلاء العلماء ذكوريون، يفتون بما يهواه الرجال، وبما يهضم حق المرأة، فضلا أني سمعتهم مرة يطعنون طعنا فاحشا -والعياذ بالله- في أحد علماء أهل السنة؟

الجواب

الحمد لله.

لا يستطيع العامي أن يأخذ الأحكام بنفسه من الكتاب والسنة، لعدم أهليته.

وذلك أن أخذ الأحكام يحتاج إلى علم بالأدلة، وكيفية الاستنباط منها، وهذا يستلزم معرفة مواضع الإجماع، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص والظاهر، والصحيح والضعيف، وطرق الترجيح عند التعارض، ومتى يكون الأمر للوجوب ومتى يكون للندب، ومتى يكون النهي للتحريم ومتى يكون للكراهة، وأنى يكون هذا للعامي، بل لا يكون هذا لكثير من طلبة العلم.

ولو كان الأمر متاحا لكل أحد لما قال الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النحل/43.

فالناس صنفان: أهل ذكر أي علم مهمتهم الاجتهاد والاستنباط، وعوام مقلدون لا يسعهم إلا سؤال أهل العلم.

وروى الإمام أحمد (3056)، وأبو داود (337) عن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ.

فهؤلاء أخذوا بظاهر الأدلة، من أن المحتلم يغتسل، ولم يعملوا الرخصة التي تستنبط من أدلة أخرى.

فغير المؤهل قد يستدل بآية يكون الحكم فيها منسوخا، أو مخصصا أو مقيدا.

وقد يستدل بحديث فيكون ضعيفا، أو مجمعا على ترك العمل به، أو مخصصا، أو مقيدا.

والصحابة الذين هم أعلم من غيرهم لم يكونوا جميعا مؤهلين لأخذ الأحكام من النصوص مباشرة، ولهذا كانوا يرجعون لعلمائهم كمعاذ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر، ونشأ عن ذلك مدارس الفقه، ثم نشأ عنها المذاهب الأربعة وغيرها.

وهؤلاء العوام لو استطاعوا أن يصححوا طهارتهم وصلاتهم، دون رجوع للعلماء لكانوا قد بلغوا مبلغا عظيما؛ ولكن: هيهات، هيهاتا!!

وربما دارت الواحدة بمسألتها في الحيض على جماعة من طلبة العلم، فلم تصل إلى شيء؛ فكيف لو أرادت هي معرفة الحكم بنفسها!

والعلم الشرعي مثل جميع التخصصات: لابد فيه من تأهيل ودراسة، ولا يؤخذ بالثقافة العامة أو بالنظر السطحي.

وهؤلاء يحتاجون في علاجهم إلى أمور:

1-أن تعطى لهم سورة من القرآن ومجموعة من أحاديث الأحكام ويختبروا في فهمها ليتبين أنهم بحاجة إلى النظر في كتب الشروح، وهذا الفهم دون مرحلة استنباط الحكم بمراحل؛ لأن أخذ الحكم يحتاج إلى معرفة ما قدمنا من قواعد أصول الفقه.

2-أن يدفع إليهم كتاب من كتب التفسير وشروح الأحاديث ليعلموا كم يحتاج الأمر إلى دراسة حتى يفهموا هذه الشروح، فضلا عن استنباط الأحكام.

3-أن يرسخ فيهم قاعدة العبودية والامتثال والتسليم للشرع، وأن الله عدل لا يظلم أحدا من خلقه، وأنه شرع لعباده ما يصلح وهو أعلم بهم. فإنها إذا ترسخت انزاحت عنهم هذه الشبهات،  فليس عندنا فقه ذكوري ولا أنثوي، وليس عندنا عالم معتبر يتحيز للرجال في الفتوى ويهضم حق المرأة التي هي أمه وبنته وأخته وزوجته!

4-أن تحصر المسائل التي يعترضن عليها، ويلتمس فيها أدلتها من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة، وتزال عنهن الشبهة، ليتبين أن العلماء لم يتجاوزا ما في النصوص، ولم يقرروا شيئا ركونا إلى ظلم، أو اتباعا لهوى.

ويمكن حصر هذه المسائل وسؤال أهل العلم عن أدلتها مسألة مسألة، فما دمن يثقن بالنصوص، ويسلمن لها، ويطعن في فهم العلماء، فلتعط لهن النصوص لينظر مدى تسليمهن.

ونسأل الله أن يهدي أقاربك وأن يردهم إليه ردا جميلا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(386457)، ورقم:(198487). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب