الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

كيف نفهم حديث أن كل مولود يمسه الشيطان مع وجود أطفال لا يصرخون عند الولادة؟!

416372

تاريخ النشر : 11-07-2023

المشاهدات : 11018

السؤال

رأيت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها)، فهمت من الحديث أن كل مولود يولد يمسه الشيطان فيجلعه يصرخ، فماذا عن الأطفال الذين لا يصرخون عند الولادة بسبب عيب خلقي؟ والرسول قال: (كل مولود)، أي جميع المواليد بدون استثناء؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

نص الحديث كما عند البخاري(3431) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها ، ثم يقول أبو هريرة: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم آل عمران/36.

قال ابن حجر رحمه الله: "قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا الطَّعْنُ مِنَ الشَّيْطَانِ هُوَ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيطِ؛ فَحَفِظَ اللَّهُ مَرْيَمَ وَابْنَهَا مِنْهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ أُمِّهَا، حَيْثُ قَالَتْ: ( إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا من الشَّيْطَان الرَّجِيم )" انتهى، من "فتح الباري" (6/841).

ثانيًا:

ما ذكرته من أن بعض المواليد لا يحدث له ذلك بسبب عيب خلقي أو خلافه، لا يخالف العموم الذي في الحديث؛ لأن الأساليب العربية تستعمل العموم على ثلاثة أشكال، كلها موجودة في الوحي لأنه نزل بلسان عربي مبين، وهذه الأشكال الثلاثة هي:

الشكل الأول: عام لا يدخله الاستثناء قط، مثله قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها هود/6، وقوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الرعد/16.

قال الشافعي، رحمه الله: " فهذا عام، لا خاصَّ فيه؛ فكل شيء، من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك: فالله خَلَقَه، وكل دابة فعلى الله رزقُها، ويَعْلم مُستقَرَّها ومُسْتَوْدعها." انتهى، من "الرسالة" (53).

الشكل الثاني: عام، نعرف أنه دخله الاستثناء من أدلة الشرع الأخرى، مثل قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم المائدة/3، والذي عرفنا أنه مستثنى منه أشياء، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت، والجراد، وأما الدمان: فالكبد، والطحال" أخرجه أحمد(5723).

الشكل الثالث: عام نعرف أنه دخله الاستثناء عن طريق إدراكنا العقلي، وإدراكنا للواقع المحسوس، وأنه يمتنع أن الله أراد به أن يكون عامًا لا استثناء فيه، وذلك مثل قوله تعالى: (تدمر كل شيء بأمر ربها) الأحقاف/25، فنحن نعلم يقينًا أنها لم تدمر السماوات ولا الأرض والجبال.

ومثله قوله تعالى عن ملكة سبأ وَأُوتَيَت مِنْ كُلِّ شَيءٍ النمل/23، فنحن نعلم يقينًا أنها مهما امتلكت، فهي لا تمتلك جميع ما في الأرض من أشياء.

ومثل قوله تعالى: قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران/173.

 فنحن نعلم يقينًا أن كل الناس في كل العللم لم يخاطبوا الصحابة بهذا الكلام، بل المقصود ناس بعينهم.

قال الآمدي في "إحكام الأحكام"(2/317): "وكما أن دليل العقل قد يكون مخصصا للعموم، فكذلك دليل الحس. وذلك كما في قوله تعالى: تدمر كل شيء مع خروج السموات والأرض عن ذلك حسا، وكذلك قوله تعالى ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وقد أتت على الأرض والجبال ولم تجعلها رميما، بدلالة الحس.

فكان الحس هو الدال على أن ما خرج عن عموم اللفظ لم يكن مرادا للمتكلم".

ثالثًا:

 إذا اتضح هذا وعلمنا أن الأساليب العربية تسمح باستخدام ألفاظ العموم حتى مع وجود استثناءات قليلة؛ اتضح إذن أن وجود استثناءات واقعية، ناتجة عن مشاكل خِلقية ونحو ذلك، لا يؤثر في الحديث؛ لأن استعمال العموم في الحديث لا يمنع وجود استثناءات، من هذا النوع.

وينظر جواب السؤال رقم: (332149)، ورقم: (186294).

وينظر هذا أيضا للفائدة، حول هذا الحديث.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب