الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ماذا يحل للمظاهر من امرأته قبل أن يكفر؟

489517

تاريخ النشر : 07-01-2024

المشاهدات : 1921

السؤال

توجب علي صيام ٦٠ يوما متتالين؛ بسبب إني قلت إن زوجتي تحرم علي مثل أختي، ولكن لم تكن نيتي الطلاق، سؤالي: هل أستطيع أن أرى زوجتي بدون حجاب، أو النوم جانبي بدون مجامعة، أو نية المجامعة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

من قال عن زوجته : إنها تحرم عليه مثل أخته ، فهو مظاهر ، فإن عاد عن هذا القول فعليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.

وينظر جواب السؤال رقم: (360542).

ويجب على المظاهر أن يُخرج الكفارة قبل أن يمس امرأته (أي : يجامعها) ، لقول تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة/3 .

واتفق العلماء أن المراد بالمس هنا الجماع . حكى اتفاقهم ابن رشد في بداية المجتهد (2/88).

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/20):

"يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ امْرَأَتِهِ قَبْل أَنْ يُكَفِّرَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ" انتهى.

ثانيا:

اختلف العلماء : هل منع المظاهر من امرأته: يشمل دواعي الجماع، ومقدماته، أم التحريم خاص بالجماع فقط؟

فذهب كثير من العلماء: إلى أنه لا يلزمه أن يمتنع عن دواعي الجماع، كالقبلة والضم ونحوها.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (22/460):

"وَقَوْلُهُ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا):

اخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى بِالْمَسِيسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، نَظِيرَ اخْتِلاَفِهِمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ.

ثم ذكر عن ابن عباس أنه قال: وَالْمَسُّ : النِّكَاحُ [يعني : الجماع] .

وعَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَغْشَى الْمُظَاهِرُ دُونَ الْفَرْجِ.

وقَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا نُهِيَ الْمُظَاهَرُ عَنِ الْجِمَاعِ . وَلَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ فَوْقَ الْفَرْجِ ، أَوْ حَيْثُ يَشَاءُ ، أَوْ يُبَاشِرُ.

وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلُّ مَعَانِي الْمَسِيسِ، وَقَالُوا : الآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ" انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره (17/283):

"فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذذ: فلا يحرم في قول أكثر العلماء. وقاله الحسن وسفيان، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.

وقيل: كل ذلك محرم ، وكل معاني المسيس، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي" انتهى .

وقال ابن المنذر رحمه الله:

"اختلف أهل العلم في قبلة المظاهر زوجته ومباشرتها.

فقالت طائفة: لا بأس أن يقبل ويباشر ويصيبها دون الفرج. هذا قول الحسن البصري.

وقال عطاء، وعمرو بن دينار، والزهري، وقتادة في قوله: من قبل أن يتماسا: أنه الوقاع نفسه [أي: الجماع] .

وكان سفيان الثوري يقول في المظاهر: لا بأس أن يقبل ويباشر ويأتيها في غير الفرج، ما لم يُكَفِّر ، إنما نهي عن الجماع.

وقال أحمد، وإسحاق في القبلة والمباشرة: نرجو أن لا يكون به بأس، ورخص في القبلة والمباشرة الوليد بن مسلم.

وفيه قول ثان: وهو أن ليس للمظاهر أن يقبل ولا يتلذذ منها بشيء. هذا قول الزهري.

ثم ذكر أنه قول مالك وأبي حنيفة ، ثم قال ابن المنذر :

القبلة والمباشرة: غير جائز أن تحرم على المظاهر بغير حجة، وقوله في حديث ابن عباس: لا يقربها حتى يفعل ما أنزل الله، كقول الله ولا تقربوهن حتى يطهرن؛ وقد أجمعوا على أن القبلة والمباشرة غير محرمة على زوج الحائض" انتهى من "الأوسط" (9398).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"وقال بعض أهل العلم: إن دواعي الجماع لا تحرم؛ لأن الله تعالى قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا، وعلى هذا فيجوز له أن يقبلها، ويضمها، ويخلو بها، ويكرر نظره إليها، إلا إذا كان لا يأمن على نفسه، فحينئذٍ تكون له فتوى خاصة بالمنع، وإلا فالأصل الجواز.

وهذا القول أصح؛ وذلك لأن الله تعالى حرم التماس وهو الجماع، فأباح ما سواه بالمفهوم.

لكن لو كان الرجل يعلم من نفسه ـ لقوة شهوته ـ أنه لو فعل هذه المقدمات، لَجَامَع: فحينئذٍ نمنعه.

ونظيره: الصائم يحرم أن يجامع، ويجوز أن يباشر، والحائض يحرم وطؤها، وتجوز مباشرتها.

فالمهم: أنه ليس هناك دليل أنه متى حرم الجماع في عبادة حرم دواعيه" انتهى من "الشرح الممتع" (13/249).

وينظر جواب السؤال رقم: (307186).

ثانيا :

وأما الامتناع عن النظر إلى رأسها بلا حجاب، والنوم في فراش واحد : فكأنه مفرع على الخلاف السابق؛ فطرد بعض أهل العلم الأصل، ومنع المظاهر من الاستمتاع بزوجته مطلقا ، ولو كان ذلك ذلك مجرد نظر بشهوة. فإن كان بلا لذة فهو جائز.

وقد نقل عن الإمام مالك رحمه الله منع النظر إلى شعرها ، وفيه خلاف عند المالكية .

قال ابن المنذر رحمه الله :

"قال مالك: لا يقبل ولا يباشر ولا يلمس؛ ولا ينظر إلى شعرها حتى يكفر" انتهى. الأوسط (9/399).

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/54) : "قال مالك : ولا ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها حتى يكفر، لأن ذلك لا يدعوه إلى خير" انتهى .

وقال الخرشي المالكي في" شرحه لمختصر خليل" (4/108):

"وَحُرِّمَ عَلَى الْمُظَاهِرِ، قَبْلَ إكْمَالِ الْكَفَّارَةِ: الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُظَاهَرِ مِنْهَا، وَلَوْ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ؛ حَمْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: 4] عَلَى عُمُومِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ...

وَيَجُوزُ النَّظَرُ لَهَا ...

وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ: فَجَائِزٌ إنْ أُمِنَ عَلَيْهَا ، وَلَهُ النَّظْرُ لِوَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ " انتهى.

وعلق عليه العدوي بقوله :

"قَالَ فِي الشَّامِلِ : وَلَهُ النَّظَرُ لِوَجْهِهَا أَوْ رَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ ، لَا لِصَدْرِهَا ، وَفِيهَا : وَلَا لِشَعْرِهَا، وَقِيلَ : يَجُوزُ . انْتَهَى .

وَيُفْهَمُ مِنْهُ : أَنَّ النَّظَرَ لِلصَّدْرِ وَالشَّعْرِ: حَرَامٌ مُطْلَقًا ، وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ وَالْأَطْرَافُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ ، لَا لَهَا ، إلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلرَّأْسِ نَظَرٌ لِشَعْرِهَا ، فَفِيهِ تَنَافٍ ؟!

فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ ، فَمَنْ يُعَبِّرُ بِالنَّظَرِ لِلرَّأْسِ؛ أَيْ بِجَوَازِ النَّظَرِ لَهَا: يَحْكُمُ بِجَوَازِ النَّظَرِ لِلشَّعْرِ ، وَمَن يَحْكُمُ بِعَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ لِلشَّعْرِ يَحْكُمُ بِعَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ لِلرَّأْسِ" انتهى.

وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة، وأن الراجح أنه لا يحرم إلا الجماع، لكن من يخشى على نفسه أن يقع في الجماع، يجب عليه الكف عن مقدماته أيضا.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب