الحمد لله.
أولا:
التحذير من الظهار
الظهار منكر من القول وزور، والواجب على من وقع فيه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يكفر عن ظهاره إذا أراد العودة إلى وطء أهله.
وقد بين الله كفارة الظهار بقوله: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ المجادلة/3، 4
الانتقال من الصيام إلى الإطعام في كفارة الظهار
وما دام الزوج صحيحا لا يضره الصيام، فلا يجوز له الانتقال إلى الإطعام، إلا أن يكون شديد الشهوة لا يقدر على ترك الجماع.
قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة، ولم يستطع الصيام= أن فرضه إطعام ستين مسكينا، على ما أمر الله تعالى في كتابه، وجاء في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - سواء عجز عن الصيام لكبر، أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه، أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع ؛ فإن أوس بن الصامت: (لما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصيام، قالت امرأته: يا رسول الله، إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: فليطعم ستين مسكينا .
ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: (فأطعم).
فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام.
وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما.
ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض، وإن كان مرجو الزوال؛ لدخوله في قوله سبحانه وتعالى: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا [المجادلة: 4]. ولأنه لا يُعلم أن له نهاية، فأشبه الشبق." انتهى من "المغني" (11/93).
وقال زكريا الأنصاري، رحمه الله، في "أسنى المطالب" (3/ 369): "(فصل وإن عجز) المكفر (عن الصيام أو التتابع) له، (لهرم أو مرض لا يرجى) زواله، (وكذا لو) رجي زواله لكنه (دام) أي يدوم (شهرين غالبا)، بالظن المستفاد من العادة في مثله أو من قول الأطباء، (أو لمشقة شديدة) تلحقه بالصوم أو بتتابعه (مع القدرة) عليهما، (ولو) كانت المشقة (بشبق) وهو شدة شهوة الوطء، (أو خوف زيادة في المرض. أطعم)، أي ملّك، (ستين مسكينا أو فقيرا) ؛ للآية السابقة.
وإنما لم يجز ترك صوم رمضان بعذر الشبق؛ لأنه لا بدل له، ولأنه يمكنه الوطء فيه ليلا، بخلافه في كفارة الظهار لاستمرار حرمته إلى الفراغ منها." انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ربما كان ضعيف البنية لا يتمكن من صوم شهرين متتابعين، أو كان شديد الشهوة لا يصبر عن الجماع هذه المدّة، أو كان صاحب حرفة وعمل يمنعه الصوم المتتابع من القيام بها" انتهى من ثمرات التدوين، ص65
وأما كون الزوجة لا تطيق البعد عنه، فهذا ليس عذرا لينتقل من الصيام إلى الإطعام، وعليها أن تذهب إلى بيت أهلها، أو أن يسافر عنها إن خشيا الوقوع في المحرم.
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (307186)، أنه يحرم على المظاهر الوطء ومقدماته حتى يكفّر.
ثانيا:
مقدار الإطعام في كفارة الظهار وكيفيته
الإطعام هو إطعام ستين مسكينا، سواء أطعهم في يوم واحد أو أيام، وسواء أعطاهم الطعام نيئا أو مطبوخا، فلو اشترى الإنسان ستين وجبة، وأعطاها لستين مسكينا، أجزأه. ولو أعطى لكل مسكين كيلو ونصف كيلو من الأرز، أجزأه. ومن الفقهاء من قال يجزئ مُدٌ، وهو 750 جراما تقريبا.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وجملة الأمر: أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين، أو نصف صاع من تمر أو شعير. وممن قال: مد بر. زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر. حكاه عنهم الإمام أحمد، ورواه عنهم الأثرم، وعن عطاء، وسليمان بن موسى.
وقال سليمان بن يسار: أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين، أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر، مد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أبو هريرة: يطعم مدا من أي الأنواع كان.
وبهذا قال عطاء، والأوزاعي، والشافعي؛ لما روى أبو داود، بإسناده عن عطاء، عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أعطاه، يعني المظاهر، خمسة عشر صاعا من شعير، إطعامَ ستين مسكينا.
وروى الأثرم، بإسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع في رمضان، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بعَرَق فيه خمسة عشر صاعا، فقال: خذه وتصدق به.
وإذا ثبت في المجامع بالخبر، ثبت في المظاهر بالقياس عليه.
ولأنه إطعام واجب، فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج، كالفطرة وفدية الأذى.
وقال مالك: لكل مسكين مدان من جميع الأنواع. وممن قال: مدان من قمح؛ مجاهد، وعكرمة، والشعبي، والنخعي؛ لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان لكل مسكين نصف صاع، كفدية الأذى" انتهى من المغني (11/ 94).
والله أعلم.
تعليق