الأربعاء 5 جمادى الأولى 1446 - 6 نوفمبر 2024
العربية

يخشع وحده ولا يخشع في المسجد

السؤال

لدي مشكلة حين أصلي مع الجماعة سواء كنت الإمام أو المأموم وهي قلة الخشوع ، هذا لا يحصل لي عندما أصلي لوحدي حيث يكون خشوعي أكثر ، هل يجوز لي أن أصلي لوحدي حتى لو كان هناك جماعة يصلون أو جماعة ستبدأ في الصلاة ؟.

الجواب

الحمد لله.

ما ذكرته أخي السائل من خشوعك في الصلاة وحدك دون صلاتك في الجماعة هو من استدراج الشيطان الذي نهينا عنه بقوله جلّ وعلا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين البقرة : آية 168. والصلاة في الجماعة واجبة والشيطان يريد أن يصرفك عن هذا الواجب بشبهة عدم الخشوع ، ويزيّن لك أن تصلي وحدك حتى تخشع ، والحقيقة أنه يريد إبعادك عن بيت الله وعن جماعة المسلمين من إخوانك المصلين في المساجد لتنفرد ، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الشيطان يستحوذ على تاركي صلاة الجماعة فقال في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود رحمه الله عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ . سنن أبي داوود 547 وهو في صحيح الجامع قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلاةَ فِي الْجَمَاعَةِ

وعن حكم صلاة الجماعة يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " ولقد عظّم الله سبحانه وتعالى شأن الصلاة في الجماعة في كتابه العزيز وعظّمها أيضاً رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمر سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها وعلى أدائها في الجماعة قال سبحانه وتعالى :"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " البقرة : آية 238.

ومما يدل على وجوب أدائها في الجماعة قوله تعالى :"وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " البقرة : آية 43. وأمر في أول الآية بإقامتها ثم أمر بالمشاركة للمصلين في صلاتهم بقوله " واركعوا مع الراكعين " وقد أوجب سبحانه وتعالى أداء الصلاة في الجماعة حتى في الحرب فكيف بالسلم ؟ قال تعالى : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ (102)) النساء : آيه 102. فلو كان أحد يُسامح في ترك الصلاة مع الجماعة كان المحاربون أولى بأن يسمح لهم " وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم " صحيح البخاري (2/852)برقم (2288)ومسلم(1/451) رقم 651. وفي صحيح مسلم (1/453) رقم (654) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقي الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويخط عنه سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف …

وفي صحيح مسلم (1/452) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى مسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال : فأجب . وفي إقامة الصلاة في الجماعة فوائد كثيرة منها التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه وتعليم الجاهل وإظهار شعائر الله وإغاظة أهل النفاق والبعد عن سبيلهم ومعرفة المتخلف ونصحه وإرشاده إن كان ذلك تكاسلاً منه وبدون عذر أو عيادته إن كان مريضاً إلى غير ذلك من الفوائد وقد يؤدي التخلف عند أدائهما في الجماعة والعياذ بالله إلى تركها بالكلية ومن المعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحة (1/88) رقم (82) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

وقال صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، صحيح ابن حبان (4/305) رقم (1454) . أهـ

واعلم يا أخي أنّ الله لا يُمكن أن يوجب على عبده حكما ثم يكون الخير في غيره وقد أوجب الله صلاة الجماعة فلا بدّ من أدائها والخشوع فيها ، ولكن قد يحصل للإنسان أحيانا في خلوته من الخشوع ما لا يحدث له في المسجد كما يشعر كثير من المصلين في قيام الليل فيبكي في بيته وهو يؤدّيها ما لا يبكي في المسجد وهذا لا يُنافي أداءها في المسجد ، فالمطلوب أن نحرص على الأخذ بأسباب الخشوع في صلاة الجماعة وغيرها ونؤدّي كلاّ كما أمر الله ، وللتعرّف على أسباب الخشوع في الصلاة راجع رسالة 33 سببا للخشوع في الصلاة في قسم الكتب من هذا الموقع ، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى خير سبيل وصلى الله على سيدنا محمد .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد