الحمد لله.
هل يجوز استعمال آنية غير المسلمين؟
الأصل في الأواني الطهارة، سواء استعملها المسلم أو الكتابي أو غيرهما، حتى يُتقين نجاستها. ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز استعمال آنية الكفار، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:
1- أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب، أي: ذبائحهم، ومن المعلوم أنهم يأتون بها إلينا أحيانا مطبوخة بأوانيهم، فدل على جواز استعمال أوانيهم.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه غلام يهودي على خُبْزِ شَعِيرٍ وإِهَالَةٍ سَنِخَة. رواه أحمد، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/71).
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأصحابه من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ. رواه البخاري (337)، ومسلم (682).
والمزادة: وعاء من الجلد يوضع فيه الماء.
فهذه الأدلة تدل على جواز استعمال آنية الكفار.
ما الحكم إذا طبخ غير المسلمين في أوانيهم لحم الخنزير؟
لكن إذا علمنا أن غير المسلمين يطبخون في أوانيهم لحم الخنزير أو الميتة، أو يشربون فيها الخمر، فالأولى التنزه عنها وعدم استعمالها إلا إذا احتجنا إليها ولم نجد غيرها، فنغسلها ونأكل فيها.
وإذا قام غير المسلمين بغسل الأطباق، فلا يلزمنا إعادة الغسل. ولا يشترط في غسل الأطباق التي يستعملها غير المسلمين أن يكون ثلاث مرات، بل تغسل حتى يزول ما فيها من أثر طعامهم وشرابهم.
والدليل على هذا: ما رواه البخاري (5478)، ومسلم (3567) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟... قَالَ: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا).
وهذا محمول على من يستعمل الآنية منهم في المحرمات، لرواية أبي داود (3839): إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال الخطابي رحمه الله:
"الرَّحْض: الْغَسْل.
وَالأَصْل فِي هَذَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورهمْ الْخِنْزِير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتهمْ الْخَمْر فَإِنَّهُ لا يَجُوز اِسْتِعْمَالهَا إِلا بَعْد الْغَسْل وَالتَّنْظِيف" انتهى من "عون المعبود".
وقوله: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) أي: كلوا في ذلك الغير واشربوا. وهذا الأمر للاستحباب عند جمهور الفقهاء، أي: يستحب التنزه عن هذه الأواني. ويكره استعمالها حتى مع غسلها، إلا عند عدم وجود غيرها فتزول الكراهة.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/80):
"وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار، وكونها معتادة للنجاسة" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/69):
"وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها) فهذا يدل على أن الأولى التنزه. لكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عرفوا بمباشرة النجاسات من أكل الخنزير ونحوه، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، فإننا نغسلها ونأكل فيها، وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشرع" انتهى.
وخلاصة الجواب:
إذا كان هؤلاء لا يستعملون تلك الأواني في شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة فاستعمالكم لها جائز.
فإن كانوا يستعملونها في الأطعمة أو الأشربة المحرمة أو النجسة فالأفضل لكم عدم استعمالها إذا وجدتم غيرها، فإن لم تجدوا غيرها فلكم استعمالها بعد غسلها، سواء قمتم أنتم أو هم بغسلها.
والله أعلم.
تعليق