الحمد لله.
ثانيا :
لا يتنافى هذا الحكم مع قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ ) البقرة / 219 ؛ لأن هذه الآية نزلت في صدقات التطوع لا الفريضة ، على
الراجح , وهو ما رجحه الطبري عند تفسيره لهذه الآية الكريمة حيث قال : " فهو أدبٌ
من الله لجميع خلقه ، على ما أدَّبهم به في الصدقات غير المفروضات ، ثابتُ الحكم ،
غيرُ ناسخٍ ولا منسوخٍ .
فلا ينبغي لذي ورع ودين : أن يتجاوز في صدقات التطوعَ وهباته ، وعطايا النفل وصدقته
، ما أدَّبهم به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ
بنفسه ، ثم بأهله ، ثم بولده ) ، ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله
ويحبها ، وذلك هو" القَوام " بين الإسراف والإقتار ، الذي ذكره الله عز وجل في
كتابه " انتهى من " تفسير الطبري " (4/346) .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/62) ما نصه : " وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : بَلْ هِيَ نَفَقَاتُ التَّطَوُّعِ " انتهى .
ثالثا :
لا يتنافى هذا الحكم أيضا مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا
كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) رواه البخاري (5356) ، ومسلم (1034) ، فإن معنى الحديث :
" أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنيً يعتمده صاحبها ، ويستظهر به على مصالحه ونوائبه
التي تنوبه " انتهى من " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (6/365) .
ومن كان معه نصاب من المال ، وحال عليه الحول : فهو غني في ميزان الشرع ، تجب عليه الزكاة ، ولن تنتقص هذه الزكاة ماله ، ولن يتضرر بإخراجها كما أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ثلاثة أقسم عليهن : ما نقص مالُ عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ) رواه الترمذي (2325) وغيره ، وصححه الألباني .
والله أعلم .