الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

طول العمر وقصره

110439

تاريخ النشر : 28-03-2008

المشاهدات : 192904

السؤال

أبي رحمه الله توفى يوم 27 من رمضان - أسكنه الله الجنة آمين - لم يتجاوز عمره السبعين عاما ، وأسئلتي في نفس الموضوع هي : أولا : هل لكل منا عمر محدد لا يتجاوزه ؟ ثانيا : هل يطيل الله العمر أو يقصره تبعا لصلاح أو فساد أفعال الإنسان ؟ ثالثا : اذا أهمل شخص جسده ولم يأخذ الدواء ، هل يحتمل أن يكون ذلك سببا أن يقصر الله عمره ؟ رابعا: إذا كان عمر كل منا محددا ، بغض النظر عن أفعالنا ، فلماذا نتعاطى الأدوية ؟ إذا كان العمر محددا ولن يموت الشخص قبل انتهاء أجله حتى ولو لم يأخذ الدواء .

الجواب

الحمد لله.


الموت والأجل من قضاء الله وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة ، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل ؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ ، ومشيئته التي لا تتخلف .
يقول الله عز وجل :
( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المنافقون/10-11.
ويقول تبارك وتعالى :
( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) نوح/2-4.
وذلك لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون ، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ .
فمن رغب أن يحفظ القرآن الكريم – مثلا – فلا بد أن يأخذ له أسبابه : من قراءة ، ومراجعة ، واستماع ، وتَكرار ، ونحو ذلك ، فإذا استكمل هذه الأسباب أتمَّ الحفظ ، وإن قَصَّرَ فيها لم يُتِمَّ ما أراد .
وعلم الله تعالى الأزلي محيطٌ بما سيكون من هذا الإنسان ، فهو سبحانه يعلم إن كان سيجتهد في الحفظ والتلاوة أو سيقصر في ذلك ، وأَمَرَ بِكَتبِ ذلك المعلوم الذي لا يخطئ في اللوح المحفوظ عنده سبحانه .
وكذلك الموت : له أسبابه المادية التي يعلمها جميع الناس ، كالسقوط من شاهق ، والجرح الغائر في المقاتل ، والأمراض الخطيرة ، ونحو ذلك .
كما له أسبابه المادية التي تؤخره وتؤجله : كحفظ الصحة ، والبعد عن أماكن الخطر ، ونحو ذلك .
وأيضا الأسباب المعنوية التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تزيد في العمر وتمد الأجل ، كالدعاء ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، وأعمال البر كلها .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) . رواه البخاري (2067) ، ومسلم (2557)
وعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَلاَ يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلاَّ البِرُّ )
رواه الترمذي (رقم/2139) وقال : حسن غريب . وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (154)
فمن أتى بهذه الأسباب استحق زيادة العمر ، ومن نقص أسباب الحياة فقد عرَّض نفسه للموت ، وكل ذلك – سواء الأسباب أو المسببات – معلومة مكتوبة عند الله تعالى في ابتدائها وانتهائها ، لا تتغير لأنها معلومة لله على ما ستكون ، مهما غير العبد من أسبابه ، رفعت عنها الأقلام ، وجفت بها الصحف .
وهذا معنى قوله سبحانه :
( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فاطر/11.
يقول ابن عباس في تفسير هذه الآية :
" ليس أحد قضيت له طول الحياة والعمر إلا هو بالغ ما قدرت له من العمر ، قد قضيت ذلك ، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له ، لا يزاد عليه ، ليس أحد قضيت له أنه قصير العمر ببالغ العمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له ، فذلك قوله : ( ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) ، يقول : كل ذلك في كتاب عنده " انتهى.
رواه البيهقي في "القضاء والقدر" (1/218)
يقول البيهقي رحمه الله :
" والمعنى في هذا أن الله جل ثناؤه قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك ، وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها ، لم يصبه ذلك البلاء ، ورزقه كثيرا ، وعمّره طويلا ، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين " انتهى.
"القضاء والقدر" (1/211)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إن الله أمر الملك أن يكتب أجلاً ، وقال : إن وصل رحمه زدته كذا وكذا ، والملك لا يعلم أيزداد أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر ، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8/517)
ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
" اعلم : أن الآجال والأرزاق - كسائر الأشياء - مربوطة بقضاء الله وقدره ، فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ؛ ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) الأعراف/34.
فهذا أمر لا ريب فيه ولا شك ، ومع ذلك ، فهي أيضاً كغيرها : لها أسباب دينية ، وأسباب طبيعية مادية ، والأسباب تبع قضاء الله وقدره ، فمن الأسباب الدينية لطول العمر ، وسعة الرزق : لزوم التقوى والإحسان إلى الخلق ، لاسيما الأقارب .
كما ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره - أي يطيل عمره - فليصل رحمه ) .
وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه : وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً . وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله : في أجله وفي رزقه .
قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق/2
ومن الأسباب الدينية لقطع طول العمر : البغي والظلم للعباد . فالباغي سريع المصرع ، والظالم لا يغفل الله عن عقوبته ، وقد يعاقبه عاجلاً بقصم العمر " انتهى.
نقلا عن موقعه على هذا الرابط :
http://www.ibn-jebreen.com/book.php?cat=1&book=69&toc=4468&page=4036&subid=29295
فالتداوي من الأسباب المادية المحسوسة التي تحفظ للإنسان عمره وصحته بإذن الله ، وإذا أهمل قد يؤدي إلى الضرر أو الوفاة ، وذلك لا يتعارض بأي وجه مع ما تقرره الآيات والأحاديث أن الأجل والعمر محدود ، فهو محدود بأسبابه ، وكل شيء عنده سبحانه وتعالى بمقدار ، فإن تداوى المرء وتعافى فطالت أيامه في هذه الدنيا فذلك بقدر الله ، وإن قصر أو ترك التداوي حتى قضى أجله فهو بقدر الله كذلك .
عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا ، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا ؛ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟
قَالَ : ( هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ) رواه الترمذي (2065) وابن ماجة (3437) ، وروي موقوفا . قال الترمذي : هذا أصح .

نسأل الله أن يتغمد والدك برحمته ، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه .
وانظر جواب السؤال رقم في حكم التداوي : (2148) ، (2438) ، (13272)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب