الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

يعتقد أن عيسى خير من محمد ويطعن في نبينا

السؤال

لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك - ؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب ، وهذا يخالف محمَّداً ؛ لأنه كثير الذنوب . خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان ، وهو المسيح ، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك . وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم , وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه . إنكم تبالغون كثيراً ، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها ، وأعدنا القراءة مرة وأخرى ، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا ، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم - ، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك ، أليس كذلك ؟ .

ثانياً:

من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى ، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية ، وأنه إله رب ؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب ، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق ، ورب ومربوب ، أو " لاهوت وناسوت " ، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله ، أليس كذلك ؟ .

إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك ، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى ، فعن أيهما تريد أن تتحدث ، وأن يدور حوارنا : عبد الله عيسى ابن مريم ، المخلوق ؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟!

انظر إجابة السؤال رقم (82361)


ثالثاً:

لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء ، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر ، وهو ما فعلته أنتَ ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة ، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام ، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل ، ويُعلي شأنهم ، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان ، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد ، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير ، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم ، وأثنى عليها ، وذكر دعاءهم ، وخشيتهم ، ودعوتهم لأقوامهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم ، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم ، وإعلاء شأنهم .

رابعاً:

بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين ، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك ، والسبب : أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم ، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله ، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا ، وليس هذا في ديننا فحسب ، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله ، وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله ؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل ؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله ، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله ، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه ، ومن إعلائه لشأنه ، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية ، وحادثة ، وحديث :

1. أما الآية : فهي قول الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/ 81 .

فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأن ينصروه في دعوته .

2. وأما الحادثة : فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً ، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج " ، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس .

وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك .

3. وأما الحديث : فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم ، فيعتذرون ، وكلهم يقول : نفسي ، نفسي ، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها ، أنا لها ، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى ، ويقبل شفاعته في أهل المحشر ، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام ، وليسوا ينكرون هم ذلك ، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا ، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين ، بل يرضى أن يكون مأموماً ؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه ، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير ، وسيكسر الصليب ، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين .

وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة ، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام ، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم ، فقف على هذا الحديث :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ) رواه البخاري ومسلم .

ومعنى ( أولى الناس بعيسى ) : أي : أخصهم به ، وأقربهم إليه .

ومعنى ( إخوة لِعَلاَّت ) : أي : إخوة لأب من أمهات شتى .

معنى الحديث : أن أصل إيمان الأنبياء واحد ، وشرائعهم مختلفة .

فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام ، بل هم جميعاً إخوة ، جاءوا برسالة عقائدية واحدة ، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده ، وترك الإشراك به .

خامساً :

وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب " : فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص ، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول ، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب : فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم ؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك ، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة : فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا ، وهكذا علَّمنا ديننا : أن نحترم الأنبياء والمرسلين ، وأن نجلَّهم ، ونقدِّرهم .

ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له ؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم ، والطعن فيهم منهجكم ، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم ، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة ، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه ، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس :

1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود ، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب . إصحاح متى الأول ، عدد ( 10 ) .

2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح ( 2 ) عدد ( 4 ) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس ! .

3. وفي إنجيل " يوحنا " ، إصحاح ( 10 ) عدد ( 8 ) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص ! .

وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم ، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي ، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين ، والمتشددين في إسرائيل ، والعالم أجمع ، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة - :

1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين " .

2. وجاء فيه - والعياذ بالله - :

" إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار ، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة ، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة " .

3. وقال الحاخام " اباربانيل " :

" المسيحيون كافرون ؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم " .

4. وجاء في التلمود :

" كل الشعوب ماعدا اليهود : وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك " .

5. وجاء في موضع آخر من التلمود :

" إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً ، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله " .

6. وجاء في التلمود - أيضاً - :

" النعيم مأوى أرواح اليهود ، ولا يدخل الجنة إلا اليهود ، أما الجحيم : فمأوى الكفار من المسيحيين ، والمسلمين ، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء ؛ لما فيها من الظلام والعفونة " .

فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام ، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب . وانظر جواب السؤال رقم (42216) .

سابعاً:

وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم " : فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها :

أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ) النجم/ 19 ، 20 ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك !

وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق .

قال البيهقي :

هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل .

انظر " تفسير الفخر الرازي " ( 23 / 44 ) .

وقال ابن حزم :

وأما الحديث الذي فيه : " وأنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع ؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، ولا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد .

" الفِصَل في الملل والنحل " ( 2 / 311 ) .

وقال القاضي عياض :

هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية .

" الشفا في أحوال المصطفى " ( 2 / 79 ) .

وقال الحافظ ابن كثير :

قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 239 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :

ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم ، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج ، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ الحج / 52 ] فقوله سبحانه : إِلا إِذَا تَمَنَّى أي : تلا ، وقوله سبحانه : أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي : في تلاوته ، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى ، ويحكم آياته ؛ ابتلاء وامتحانا ، كما قال سبحانه بعد هذا : لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الآيات [ الحج / 53 ] .

فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم ، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة ، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة ، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [ آل عمران / 7 ] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته .

والله ولي التوفيق .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 301 ، 302 ) .

وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها : الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق " .

ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم ، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى .

ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 2 / 282 ) .

أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة : فإليك ما قاله العلماء فيه .

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر - :

رب سائل يقول : إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم ؟ .

والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً :

" وليس لأحد أن يقول : إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم ، وإلا لما سجدوا ؛ لأننا نقول : يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى : وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى . وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى . وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى إلى آخر الآيات [ النجم / 50 - 54 ] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم ، و لعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير ، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم و لو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه ، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، فقد نزلت سورة ( حم السجدة ) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس ، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ " [ فصّلت / 13 ] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال : " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب ؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

ثامناً:

وأما قولك : " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله " : لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله ! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية ، وأثنى عليه ، وهو أعلم الناس بربه ، وأتقاهم وأخشاهم له ، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه ؟! إن هذا إلا اختلاق .

تاسعاً:

وقولك : " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ " : قول باطل ، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم ! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به ! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان ، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر ، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث ، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم ، ومحطاًّ لقدر النبوة ، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً ، وعليكم حديثاً .

قال النووي – رحمه الله – :

قال الإمام المازري : وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر ، فزعم أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع ! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة : باطل ؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه ، وصحته ، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ ، والمعجزة شاهدة بذلك ، وتجويز ما قام الدليل بخلافه : باطل ، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ، ولا كان مفضَّلا من أجلها ، وهو مما يعرض للبشر : فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، وقد قيل : إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام ، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له ، وقيل : إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد .

قال القاضي عياض : وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه ، لا على عقله ، وقلبه ، واعتقاده ، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن " ، ويروى : " يُخيل إليه " أي : يظهر له من نشاطه ، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور ، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ، ونحوه : فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل ، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ، ولا طعناً لأهل الضلالة .

" شرح مسلم " ( 14 / 174 ، 175 ) .

وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله - :

قد أنكر هذا طائفة من الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنُّوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر .

" زاد المعاد " ( 4 / 113 ) .

ثم نسألك ، إن كنت جاداً في الحوار : أيهما أشد على صاحبه ، وأدل على نزول قدره ، جريان هذا السحر ، الذي هو مرض من الأمراض ، تسبب فيه هذا اليهودي ، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا ، والإله أو ابن الإله عندكم ، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم :

( وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه ، ويقولون : ... إن كنت ابن الله ، فخلص نفسك ، وانزل عن الصليب . وكان رؤساء الكهنة ، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به ، فيقولون : خلَّصَ غيره ، ولا يقدر أن يخلص نفسه ؟! هو ملك إسرائيل ، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به ؛ توكَلَ على الله وقال : أنا ابن الله ، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه . وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا ، فقالا مثل هذا الكلام .)

(وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم : إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني ؟!! ) [ متى : 27/38-47 ]  وأيضا :

[ مرقس : 15/29-35]

راجع جواب السؤال رقم (12615)

ونحن نقول : حاشا لأنبياء الله الكرام ، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان "

عاشراً:

وأما قولك : " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ " : فهذا من العجائب ، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين ؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه ؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك ، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته ، وهو أبو الأنبياء ، صلى الله عليه وسلم ، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر ، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر ، فكان ماذا ؟ .

ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام ، بل وعن أنبياء الله أنفسهم ، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟!

حادي عشر:

وأما قولك : " ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه "

فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521)

فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين ، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم ، لعلك أن يكون لك رأي آخر :

1. قال المسيح عليه السلام : " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً ، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه ، والابنة ضد أمها ، والكنة ضد حماتها ، وأعداء الإنسان أهل بيته . من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني ، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ، من وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها " .

" إنجيل متى ، الإصحاح العاشر ، فقرة 35 وما بعدها .

2. قال المسيح عليه السلام : " من له سيف : فليأخذه ، ومن ليس له : فليبع ثوبه ، ويشتري سيفاً " .

" لوقا " ( 22 / 36 ، 37 ) .

3. ويقول المسيح عليه السلام : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم : فأتوا بهم إلى هنا ، واذبحوهم قدامي " .

" لوقا " ( 11 ) .

ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون :

1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة " : " إن اتهامه - أي : محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته : سخفٌ غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم : فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " .

انظر : " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد ( ص 227 ) .

2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده - : " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف ، بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها ، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط ، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر " .

فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام ؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك ؟ .

د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف ! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة ! وكل ذلك غير صحيح ، وإليكَ أمثلة من واقعكم :

1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج " ، قطع أيديهم ، وأرجلهم ، ونفاهم ، وشرَّدهم ، حتى انفردت النصرانية بالبلاد .

2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد .

3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد ( 1342 – 1370 م ) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية ، أو نفيهم من البلاد .

4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا .

5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء .

6. من الذي أشعل الحروب العالمية ؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين ، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً ! .

7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان ؟ .

8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم ، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان ، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء ، وذُبحوا كالنعاج ، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس ، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة ، والأذرع ، والأرجل المقطعة ، والأجسام المشوهة ، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً ، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح .

9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك ، لقد قصفوا أفغانستان ، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها ، فقصفوا ، وقتلوا ، وعاثوا في الأرض فساداً ، وقد قال كبيرهم : إن الله أمره بدخول العراق !! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها ؟! .

10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء : إنجلترا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، ورومانيا ، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً : " اليوم انتهت الحروب الصليبية " ؟! .

11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً : " لقد عدنا يا صلاح الدين " ؟! .

12. وهل هدمت الديار ، وسفكت الدماء ، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب ؟ .

13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث - ؟ وفي إفريقيا ؟ وإندونيسيا ؟ وغيرها ؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية ؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية " ؟! .

ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم ، فما كانوا يقتلون النساء ، ولا الأطفال ، ولا الدهماء من الناس ، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده :

" لا تخونوا ، ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثِّلوا ، ولا تقتلوا طفلاً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ، ولا تعزقوا نخلاً ، ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ، ولا بقرة ، ولا بعيراً إلا للأكل ، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع : فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له " .

ينظر : " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام " ، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة.

وأما كلامك عن المال : فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره ، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة ، وبالأخرى نسخة من الإنجيل ! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات ، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل ! .

وأخيراً:

لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر ، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة ، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح ، واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين ، وليس دين الادعاءات والتزوير ، فأدرك نفسك ، والتحق بركب الأنبياء والصالحين ، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون ، وهو التوحيد ، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها .

نسأل الله تعالى أن يهديك ، ويشرح صدرك للإسلام ، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه ، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه .

والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب