الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الطهارة والنجاسة المعنوية

السؤال

كنت أقرأ في بعض كتب الفقه فأتيت على "النجاسة الحكمية المغلظة" وذكر أنه يندرج تحتها الشرك والكفر والكبائر.. ثم ذكر النجاسة المخففة و وذكر أنه يندرج تحتها الحدث والصغائر..الخ. فما صحة هذا التقسيم؟ وهل قال بهذا أحد من السلف؟ أرجوا الشرح والتفصيل؟.

الجواب

الحمد لله.

الطهارة قسمان : طهارة حسية ، وطهارة معنوية ، والنجاسة قسمان : نجاسة حسية ، ونجاسة معنوية .
فالطهارة الحسية : هي الطهارة من الحدث والخبث (النجاسة) .
والنجاسة الحسية : هي الأعيان التي حكم الشرع بنجاستها وقذارتها ، ومنها ما نجاسته مغلظة، وهو الكلب ، ومنها ما نجاسته مخففة : كبول الصبي الرضيع ، ومنها ما نجاسته متوسطة ، كنجاسة البول والدم والميتة .
والكلام عن الطهارة والنجاسة الحقيقية هو محور اهتمام الفقهاء في كتبهم .
وأما الطهارة والنجاسة المعنوية فليست محل اهتمام أهل الفقه ، ولذلك لا يذكرونها إلا نادرا على سبيل الاستطراد .
والطهارة المعنوية : هي طهارة المؤمن من الشرك والكفر ، والنجاسة المعنوية : هي نجاسة الكفر والفسوق والعصيان .
ومن النصوص الشرعية الدالة على الطهارة والنجاسة المعنوية :
قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران/ 42.
قال ابن جرير الطبري: " وَقَوْلُهُ : ( وَطَهَّرَكِ ) يَعْنِي : طَهَّرَ دِينَكِ مِنَ الرِّيَبِ وَالأَدْنَاسِ الَّتِي فِي أَدْيَانِ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ ". انتهى " تفسير الطبري" [5 /392] .
وقال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة / 103]
قال الطبري: " يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّدُ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ ( وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) تُنَمِيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ ، إِلَى مَنَازِلِ أَهْلِ الإِخْلاَصِ ". انتهى " تفسير الطبري" [11 /659] .
وقال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [الأحزاب / 33]
والمراد بها الطهارة المعنوية .
وقال عن قوم لوط : ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل / 56]
أي عن المعاصي والقبائح .
وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) [التوبة / 28]
قال ابن القيم : " وقد وسم الله سبحانه الشرك ، والزنا ، واللواطة ، بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب وإن كانت مشتملة على ذلك ، لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، وقوله تعالى في حق اللوطية : ( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ) .
وقالت اللوطية : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) ، فأقروا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخباث الأنجاس ، وأن لوطا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له .
قال تعالى في حق الزناة : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) .
فأما نجاسة الشرك فهي نوعان : نجاسة مغلظة ، ونجاسة مخففة .
فالمغلظة : الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل .
والمخففة : الشرك الأصغر ، كيسير الرياء ، والتصنع للمخلوق ، والحلف به ، وخوفه ، ورجائه ...
والمقصود : أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة ، وتارة تكون معنوية باطنة ". انتهى " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " [1 /59]
وقال الشيخ ابن عثيمين : " الطهارة معناها : النظافة والنزاهة ، وهي في الشرع على نوعين : طهارة معنوية ، وطهارة حسية.
أما الطهارة المعنوية : فهي طهارة القلوب من الشرك والبدع في عبادة الله ، ومن الغل ، والحقد ، والحسد ، والبغضاء ، والكراهة ، وما أشبه ذلك في معاملة عباد الله الذين لا يستحقون هذا ....
ولهذا وصف الله عز وجل المشركين بأنهم نجس ، فقال تعالى : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )، ونفى النبي صلى الله عليه وسلم النجاسة عن المؤمن ، فقال صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن لا ينجس) ، وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن أن يعتني به عناية كبيرة ليطهر قلبه منه ". انتهى " فقه العبادات " صـ 97 .
وقال الشيخ صالح الفوزان: " الطهارة المعنوية : هي الطهارة من الشرك ، والطهارة من البدع ، والطهارة من الذنوب ، قال تعالى : ( إنهم أناس يتطهرون ) فالطهارة هنا معنوية وهي النزاهة عن المعاصي والذنوب .
والشرك نجاسة ، قال تعالى : ( إنما المشركون نجس ) نجاسة معنوية ، والتوحيد طهارة معنوية " انتهى من الشرح المختصر على زاد المستقنع (1/52).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب