الحمد لله.
أولا :
هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ : مَا حَاجَتُك يَا أَخِي ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ : إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا ، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي ؟ قَالَ : فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ .
فهذه القصة لم نجد لها أصلا
، ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء ، وإنما ذكرها الشيخ سليمان
بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (3/ 441-442) ، كما
ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: 517)
، وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/80) ولم يذكر واحد منهم إسنادها ، بل
صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة : " ذُكر أن رجلا " ، " روى أن
رجلا " ، وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح ، ويؤيد ذلك ما يلي :
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه في سيرته من كونه كان مهابا في الناس ،
فكيف بزوجاته ؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : " مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن
الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له " رواه البخاري (4913) ومسلم (1479) .
وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ : " شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ
طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ،
وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا " "حلية الأولياء" (4/151) .
- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير
محتمل ، والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع ، وهو الذي كان يخاف الشيطان
منه ، ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه ، ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن
على أزواجهن لا يعرف في السلف .
- قوله " إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ
لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا " قول غير
صحيح ، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف ، راجع جواب السؤال رقم : (119740)
وخاصة الرضاع ، فإنه يجب عليها إرضاع أولادها إذا كانت في عصمة زوجها بلا أجرة ،
راجع جواب السؤال رقم (130116)
.
والخلاصة : أن هذه القصة لا
أصل لها ، ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة .
وعلى ذلك : فلا يصح الاستدلال بها على جواز رفع الزوجة صوتها على زوجها .
ثانيا :
رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة ، فلا يجوز ذلك .
سئل الشيخ ابن عثيمين :
ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: " نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب ؛
وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب
؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما .
كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك ، فالعشرة متبادلة ، قال الله تبارك وتعالى: (
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) .
فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها ، وأن لا ترفع صوتها عليه
لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت " . انتهى من"فتاوى نور على الدرب"
(19/ 2) - بترقيم الشاملة .
وراجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (125374)
.
والله تعالى أعلم .
تعليق