الحمد لله.
الموت والأجل من قضاء الله تعالى وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة ، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل ؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ ، ومشيئته التي لا تتخلف . يقول الله عز وجل : ) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المنافقون/10-11. ويقول تبارك وتعالى ) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) نوح/2-4.
وذلك كله لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون ، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا ؛ مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ .
والذي ينبغي على الإنسان أن يتوسط في أموره ، وتقديره للأسباب المفضية إلى الهلاك , فلا يبالغ في التحرز والحذر ، لأنه إن فعل ذلك ، وأطلق لنفسه العنان في الوساوس : فسيرى أن كل حركة ، وربما كل سكنة : سيأتيه منها الموت والهلاك , فمجرد خروج الإنسان من بيته وسيره وسط السيارات والشاحنات ونحوها ربما كان من أسباب الموت , ولكن النظر بهذه الطريقة مسلك خاطئ لا يقول به عاقل .
وفي ذات الوقت لا يُقَصِّر في الأخذ بأسباب السلامة ، فلا يعرض نفسه للمخاطر , ولا يترك الأخذ بأسباب السلامة. مع اعتقاده : أن الأمر كله بيد الله ، وأنه إنما يأخذ بالأسباب امتثالا لأمر الله تعالى ، ثم بعد ذلك يكون ما أراد الله .
ونذكر السائل بمثال رائع ، فيه العبرة من تاريخ أحد الصحابة العظماء ، وهو سيدنا خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ؛ فإنه قد قضى كثيراً من عمره وسط المعارك وساحات القتال ، ثم كان موته على فراشه , وهذا لأن قدر الله تعالى له أن يموت هكذا.
ومن هنا تعلم أن الخوف من شراء الدراجة البخارية ، قد يكون له وجه مقبول ، إذا غلب على ظن السائل ، أو غيره ، أنها أكثر عرضة للخطر والمهالك من غيرها من وسائل الانتقال والركوب ؛ إما في حق الشخص المعين : لكون مهارته في قيادتها أقل ، أو لكونها أكثر عرضة للحوادث ، كما هو واقع في كثير من الأماكن ، أو نحو ذلك من الأسباب المقبولة = فلا حرج في ذلك كله ، وكان توقي قيادة الدراجة في مثل هذه الأحوال ، هو نوعا من الأخذ بأسباب التحرز المشروعة ، وتجنب التهلكة ، مع الإيمان بقدر الله السابق ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وإنما المحذور في ذلك : أن يكون الخوف من ركوب هذه الدراجات ، أو غيرها ، من غير سبب ظاهر ، ولا تفسير مقبول ، فهنا قد يكون نوعا من الخوف المرضي "الفوبيا" ؛ فتحتاج النفس إلى مجاهدة على تركه والتخلص منه ، ولو بنوع من العلاج النفسي المقبول ، مع دوام استحضار الإيمان بقدر الله السابق ، وأن الأسباب لا تغير من قدر الله شيئا ؛ وإنما هي من قدر الله .
والله أعلم .
تعليق