الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم العمل في صيدلية وتصنيع أو بيع أدوية فيها كحول أو جيلاتين محرم

السؤال

أنا صيدلي ، وأقيم حالياً في ألمانيا ، وأنا في فترة مُعادلة شهادتي الجامعية للعمل وإكمال الدراسة في ألمانيا ، وأسأل عن حكم عملي في صيدلية في هذه البلاد ، حيث قد أعمل بتصنيع أو بيع أدوية تحتوي جيلاتين مُستخرج من الخنزير ، أو قد تحتوي كحول ؟ مع العلم أنني بالتأكيد سأحرص على عدم بيع هذه الأدوية للمُسلمين في حال وجود البديل .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز العمل في تصنيع الأدوية المشتملة على الكحول، أو الجيلاتين المستخرج من الخنزير، لأن الكحول خمر، فلا يجوز تناولها ، ولا التداوي بها ، ولا خلطها بطعام أو شراب، بل الواجب إتلافها.

وما يستخرج من الخنزير نجس يجب اجتنابه والتطهر منه، فلا يجوز أن يضاف إلى شيء من دواء أو طعام أو شراب.

قال ابن القيم رحمه الله : " المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم [ النساء : 160 ] ؛ وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه .

وتحريمه له : حِمْية لهم ، وصيانة عن تناوله ؛ فلا يناسب أن يُطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه ، وإن أثر في إزالتها : لكنه يُعقِب سقما أعظم منه في القلب، بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به ، قد سعى في إزالة سقم البدن ، بسقم القلب .
وأيضا : فإن تحريمه يقتضي تجنبه ، والبعد عنه بكل طريق ؛ وفي اتخاذه دواء : حض على الترغيب فيه ، وملابسته ؛ وهذا ضد مقصود الشارع .

وأيضا : فإنه داء ، كما نص عليه صاحب الشريعة ؛ فلا يجوز أن يتخذ دواء .

وأيضا : فإنه يُكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بيناً ، فإذا كانت كيفيته خبيثة ، اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ؟!

ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية ، والأشربة ، والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث ، وصفته " انتهى من "زاد المعاد" (4/141).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/106) : " ما حكم الاستمتاع بالكحول أو الخمر عموما ، أي : استخدامه في دهان الأثاث وفي العلاج والوقود والتنظيف والتعطير والتطهير واتخاذه خلا .
الجواب : ما أسكر شرب كثيره فهو خمر ، وقليله وكثيره سواء ، سواء سمي كحولا أم سمي باسم آخر ، والواجب إراقته وتحريم الإبقاء عليه لاستخدامه والانتفاع به في تنظيف أو تطهير أو وقود أو تعطير أو تحويله خلا ، أم غير ذلك من أنواع الانتفاع .
أما ما لم يسكر شرب كثيره ، فليس بخمر ، ويجوز استعماله في تعطير وعلاج وتطهير جروح ونحو ذلك .
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .

ثانيا:

إذا قامت جهة ما بخلط الدواء بالكحول أو بالجيلاتين المحرم، فإنها تأثم بذلك كما قدمنا، ثم ينظر في الدواء؛ فإن كانت النسبة المضافة قليلة ، بحيث لا يسكر من شرب الكثير منها، أو كانت مستهلكة ، ليس لها أثر في الطعم أوو اللون أو الرائحة : جاز تناوله والتداوي به .

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (22/ 297): " تباع في الأسواق بعض الأدوية أو الحلوى تحتوي على نسبة ضئيلة من الكحول، فهل يجوز أكلها؟ علما أن الإنسان لو أكل من هذه الحلوى وتضلع لا يصل إلى حد السكر أبدا.

الجواب: إذا كان وجود الكحول في الحلوى أو الأدوية بنسبة ضئيلة جدا ، بحيث لا يُسْكِر أكل أو شرب الكثير منها؛ فإنه يجوز تناولها وبيعها؛ لأنها لا يكون لها أي مؤثر في الطعم أو اللون أو الرائحة؛ لاستحالتها إلى طاهر مباح، لكن لا يجوز للمسلم أن يصنع شيئا من ذلك، ولا يضعه في طعام المسلمين، ولا أن يساعد عليه " انتهى.

ثالثا:

يجوز بيع الدواء المشتمل على الكحول أو الجيلاتين المحرم، إذا كانت النسبة المضافة قليلة أو مستهلكة.

وقد صدر بجواز استعمال الأدوية المشتملة على نسبة قليلة من الكحول المسكر: قرارات من مجامع الفقه الإسلامي، وفتاوى من لجان وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي، مع استحباب وتفضيل تجنب إدخال الكحول في شيء من الأدوية، حرصا على اجتناب الشبهات.

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم: 23 (11/ 3) بشأن استفسارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن ما يلي:

" السؤال الثاني عشر:

هناك كثير من الأدوية تحوي كميات مختلفة من الكحول تتراوح بين 0.01% و 25% ومعظم هذه الأدوية من أدوية الزكام واحتقان الحنجرة والسعال وغيرها من الأمراض السائدة. وتمثل هذه الأدوية الحاوية للكحول ما يقارب 95% من الأدوية في هذا المجال ، مما يجعل الحصول على الأدوية الخالية من الكحول عملية صعبة أو متعذرة، فما حكم تناول هذه الأدوية؟

الجواب: للمريض المسلم تناول الأدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواء خال منها، ووصف ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته " انتهى من مجلة المجمع ع 3، ج 3/ص 1087

وجاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي: " يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة ، تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يصفها طبيب عدل" انتهى من "قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة" ص 341

وينظر بشأن الأدوية والمستحضرات المشتملة على الجيلاتين أو الجلسرين المحرم: جواب السؤال رقم (97541).

رابعا:

إذا وجد دواء أو مستحضر لو شرب الكثير منه أسكر، أو كان مشتملا على دهن الخنزير مثلا دون استحالة، فلا يجوز تناوله، ولا يجوز بيعه.

وعلى من يعمل في الصيدلية أن يجتنب ذلك.

والخلاصة :

أن الأصل جواز العمل في الصيدليات، وأن الغالب في أصناف الدواء هو الإباحة .

فإن تبين وجود دواء يحرم تناوله : فلا يجوز بيعه، ولا حرج في الاستمرار في العمل ، مع اجتناب بيع المحرم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب