الحمد لله.
أولا:
قيام الليل من أفضل العبادات التي ترفع الدرجات، وتزيد في الحسنات، وتكفر السيئات، وتقرب من رب البريات، وقد جاء الترغيب في قيام الليل، في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وينظر لبيان ذلك جواب السؤال رقم (50070)
ولا نعلم في نصوص الشرع من الكتاب والسنة ما يدل على أن الملائكة تنظر من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل ، ويتراءون لهم في مواضعهم ، كما تتراءى نجوم السماء لأهل الأرض .
وما ذُكر عن كعب الأحبار من قوله : " إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
فهذا ذكره الحافظ ابن رجب في كتابه: "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 91)، فقال :
قال كرز بن وبرة: بلغني أن كعباً قال: " إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
فهذا لا يصح عن كعب ، لأنه منقطع ، إذ لم يذكر كرز بن وبرة من حدثه بهذا عن كعب ، إنما ذكره بلاغا.
وكرز بن وبرة لا يعرف بجرح ولا تعديل.
وعلى فرض ثبوته عن كعب، فلا حجة فيه ، لأن كعبا من التابعين ، من مسلمة أهل الكتاب ، وكان كثيرا ما ينقل عن أهل الكتاب من كتبهم ، ومثل هذا لا حجة فيه.
وكذلك قول ابن الحاج في "المدخل" (2/ 137):
" أَنَّ مَوْضِعَهُ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ، كَمَا يَتَرَاءَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لَنَا فِي السَّمَاءِ ".
لا حجة فيه ، وغايته أن يكون نقله عن كعب بالمعنى .
وإنما الحجة: في نصوص الكتاب والسنة .
وقراءة القرآن نور للعبد ، وخاصة إذا قام به في الصلاة ، وقد روى الإمام أحمد (11774) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِكَ، ( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الْأَرْضِ )
وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2543)
وروى ابن حبان في صحيحه (361) عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لك في السماء ).
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1422)
وروى البيهقي في سننه (162) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ. وَقَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ)
وصححه الألباني في الصحيحة (1213)
فصلاة الليل نور ، وتحضرها ملائكة الرحمة ، فهذا ثابت ، أما ما ذكر في كلام كعب : فلا دليل عليه .
ثانيا :
وقت قيام الليل يبدأ من بعد صلاة العشاء ، ويمتد إلى طلوع الفجر، وأفضله: في الثلث الأخير من الليل ، قال علماء اللجنة :
" وقت قيام الليل وصلاة الوتر: من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى، من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 225)
وقال ابن باز رحمه الله:
" يبدأ التهجد من بعد العشاء وينتهي بطلوع الفجر، هذا التهجد إذا صلى الناس العشاء دخل وقت التهجد إلى طلوع الفجر ، فالسنة قيام الليل ، من الفراغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ولو بركعة واحدة الوتر " انتهى مختصرا، من "فتاوى نور على الدرب" (10/ 70)
فأي صلاة تصليها من بعد صلاة العشاء فهي من قيام الليل، ويتفاوت الناس في مراتبهم ودرجاتهم وأجورهم بحسب تفاوتهم في قيام الليل وغيره من العمل الصالح ، فمن صلى ركعتين بعد العشاء حُسبتا من قيام الليل ، ولكن ليس من صلى ركعتين بعد العشاء ، وأوتر ، كمن قام من الليل ، وصلى ما شاء الله له أن يصلي .
فالأجر والفضل على قدر العمل .
وينظر للفائدة في الفرق بين قيام الليل والتهجد : جواب السؤال رقم (143240) .
والله تعالى أعلم.
تعليق