الحمد لله.
لا نعلم في نصوص الشرع من الكتاب والسنة ما يدل على أن البيوت التي يُصلّى فيها قيام الليل يشّع منها نور يراه أهل السماء، ولا ما يدل على أن الملائكة تنظر إلى الأرض لترى نور البيوت التي تنوّر بصلاة أهلها ، كما ننظر إلى السماء ليلاً لنرى نور النجوم.
وغاية ما ذُكر في ذلك : ما جاء عن كعب الأحبار قال : " إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
فهذا ذكره الحافظ ابن رجب في كتابه: "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 91)، فقال :
قال كرز بن وبرة: بلغني أن كعباً قال: " إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء " .
ثم إنه لا يصح – أيضا - عن كعب ، لأنه منقطع ، إذ لم يذكر كرزُ بن وبرة من حدثه به عن كعب ، إنما ذكره بلاغا.
وكرز بن وبرة لا يعرف بجرح ولا تعديل.
وعلى فرض ثبوته عن كعب، فلا حجة فيه ، لأن كعبا من التابعين ، من مسلمة أهل الكتاب ، وكان كثيرا ما ينقل عن أهل الكتاب من كتبهم ، ومثل هذا لا حجة فيه.
وكذلك قول ابن الحاج في "المدخل" (2/ 137):
" أَنَّ مَوْضِعَهُ- يعني: من يقوم الليل- تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ، كَمَا يَتَرَاءَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لَنَا فِي السَّمَاءِ ".
لا حجة فيه أيضا ، وغايته أن يكون نقله عن كعب بالمعنى .
وإنما الحجة: في نصوص الكتاب والسنة .
وقراءة القرآن نور للعبد ، وخاصة إذا قام به في الصلاة ، وقد روى الإمام أحمد (11774) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِكَ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الْأَرْضِ " وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2543)
وروى ابن حبان في صحيحه (361) عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لك في السماء .
وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1422) .
وروى البيهقي في سننه (162) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ. وَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ ، فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ وصححه الألباني في "الصحيحة" (1213).
وروى مسلم (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ ... الحديث .
والحاصل :
أن الصلاة ، كلها : نور ، وصلاة الليل أفضل النوافل ، وهي دأب الصالحين من الأمم ؛ وأما خصوص ما ذكر في السؤال : فلا دليل وعليه .
وكذا ما ذكر من أن الملائكة تتفقد المصلين بالليل ، فإذا لم تر هذا النور في بيت أحدهم سألت عنه ، فإن كان مريضا أو مهموما دعت له : فهذا أيضا مما لا نعلم عليه دليلا في الشرع .
ولا ينبغي الحديث عن الملائكة وأعمالهم ، والتفصيل في ذلك ، إلا بمقتضى نصوص الكتاب والسنة ، لأن الملائكة عليهم السلام من علم الغيب ، ولا يُتكلم عن الغيب إلا بالنص الشرعي .
والملائكة تحضر مجالس الذكر والعلم والقرآن ، وتحضر الصلاة ، وتكتب أعمال العباد ، وتستغفر للمؤمنين ، فهذا ونحوه جاءت به النصوص ، أما هذا التفصيل الوارد في السؤال فلا نعلم دليلا عليه .
وأما قوله في السؤال : وقد سأل تلميذٌ الإمامَ أبا الحسن حين رآه في منامه بعد وفاته عن حاله فرد : طاحت تلك الإشارات ... إلخ .
فهذا يُذكر عن الجنيد بن محمد رحمه الله ، فقال جعفر الخلدي : " رأيت الجنيد فِي النوم فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها فِي الأسحار ".
"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 129)، "طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 267).
وعن شقيق البلخى قال: " طلبنا ضياء القبور فوجدناه في صلاة الليل، وطلبنا جواب منكر ونكير فوجدناه في قراءة القرآن، وطلبنا العبور على الصراط فوجدناه في الصوم والصدقة " انتهى من "بشرى الكئيب" للسيوطي (ص: 39) .
وينظر للفائدة السؤال رقم : (50070)، (143240) .
والله تعالى أعلم.
تعليق