الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446 - 18 ديسمبر 2024
العربية

وقت قيام الليل

305489

تاريخ النشر : 21-11-2019

المشاهدات : 131304

السؤال

لقد بلغني أن قيام الليل يبدأ بعد العشاء وقبل الفجر. لا أستطيع العثور على أيّ آية قرآنية أو حديث يثبت ذلك. أرجو أن تخبرني عن الآيات القرآنية والأحاديث التي تظهر مؤشرا واضحا على أنّ قيام الليل يبدأ بعد العشاء وينتهي قبل الفجر؟ بما أن الليل يبدأ عند غروب الشمس ، ونفطر عند غروب الشمس أيضاً ، لماذا لا يبدأ قيام الليل بعد المغرب؟

ملخص الجواب

من المعلوم أن الليل في الشرع يبدأ بغروب الشمس؛ لكن قيام الليل الذي جاءت النصوص الشرعية تحث عليه وترغب فيه، هو ما بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. وإذا كان في آخر الليل في النصف الأخير أو في الثلث الأخير يكون أفضل. وهذا لا يمنع أن يكون للتطوع بين المغرب والعشاء فضيلة حتى عده غير واحد من السلف من جملة قيام الليل.

الحمد لله.

وقت قيام الليل

من المعلوم أن الليل في الشرع يبدأ بغروب الشمس؛ لكن قيام الليل الذي جاءت النصوص الشرعية تحث عليه وترغب فيه، هو ما بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي خوطب بقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا  المزمل/1 - 4..

وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ المزمل /20.

قد بين صلى الله عليه وسلم بفعله وقت هذا القيام من الليل، وورد في هذا أحاديث عدة، من أوضحها حديث عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ - إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ " رواه البخاري (994)، ومسلم (736) واللفظ له.

وكما هو متقرر أيضا من هذا الحديث ومن غيره أن الوتر متعلق بقيام الليل، ووقته من بعد صلاة العشاء.

عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَصْرَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ  رواه الإمام أحمد في "المسند" (39 / 271)، وصححه محققو المسند، وجوّد إسناده الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (9 / 146)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2 / 158).

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" وأجمعوا على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر: وقت للوتر " انتهى. "الإجماع" (ص 50).

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر.

والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل " انتهى. "قيام رمضان" (ص 26).

ومذهب الحنابلة: أن قيام الليل وقته من دخول الليل، على نحو ما ذكر في السؤال، ولهذا صرحوا بأن وقته من المغرب.

جاء في "شرح منتهى الإرادات (1/247):  

"(وَوَقْتُهُ) أَيْ: وَقْتُ قِيَامِ اللَّيْلِ (مِنْ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي قَالَ أَحْمَدُ: قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"..

وقال في "الروض المربع":

"ويسن قيام الليل، وافتتاحه بركعتين خفيفتين. ووقته: من الغروب إلى طلوع الفجر".

قال ابن قاسم في حاشيته عليه (2/221): قال أحمد: قيام الليل: من المغرب، إلى طلوع الفجر؛ فالنافلة بين العشاءين: من قيام الليل.

وتقدم أن صلاة آخر الليل أفضل وقال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً  والناشئة: لما بعد النوم، ومن لم يرقد: فلا ناشئة له" انتهى.

والأظهر: هو ما قدمناه، ولهذا تتابع أهل العلم على تعيين وقت قيام الليل بما بعد العشاء إلى الفجر.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (34 / 119):

"... قيام الليل لا يكون إلا بعد صلاة العشاء، سواء سبقه نوم أو لم يسبقه، وأن كونه بعد النوم أفضل " انتهى.

وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله:

" ومن المندوبات: صلاة الليل؛ حثت السنة الشريفة عليها كثيرا، وأفادت أن لفاعلها أجرا كبيرا.

فمنها: ما في صحيح مسلم مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل.

وروى ابن خزيمة مرفوعا عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم وروى الطبراني مرفوعا لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل اهـ.

وهو يفيد: أن هذه السنة تحصل بالتنفل، بعد صلاة العشاء، قبل النوم". انتهى، من "البحر الرائق" (2/56).

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بارك الله فيكم متى يبدأ قيام الليل؟".

فأجاب: " قيام الليل يبدأ من حين أن يصلى الإنسان العشاء، وسنتها، فإنه يدخل وقت قيام الليل.

ولكن أفضله: يكون بعد منتصف الليل، إلى أن يبقى سدس الليل، لأن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، لما قال: والله لأقومن الليل ما عشت، أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل القيام، قيام دواد عليه الصلاة والسلام، وقال: إنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه." انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" الشاملة.  

وجاء أيضا في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/225):

"وقت قيام الليل وصلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر". انتهى.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" قيام الليل يبتدئ من نهاية صلاة العشاء؛ ما بين صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر: هذا قيام الليل.

وإذا كان في آخر الليل، في النصف الأخير، أو في الثلث الأخير: يكون أفضل...". انتهى من موقع الشيخ.

هل للتطوع بين المغرب والعشاء فضيلة؟

إذا قلنا إن قيام الليل، المرغب فيه شرعا: يبدأ وقته من بعد صلاة العشاء، فلا يمنع أن يكون للتطوع بين المغرب والعشاء فضيلة، حتى عده غير واحد من السلف من جملة قيام الليل، وقد سبق ذكر من قال ذلك أيضا من فقهاء المذاهب. قال الله تعالى:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  السجدة /16 - 17.

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، قَالَ:   "كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: قِيَامُ اللَّيْلِ".  رواه أبو داود (1321)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2 / 222).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" فإن الله مدح الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع لدعائه، فيشمل ذلك كل من ترك النوم بالليل لذكر الله ودعائه، فيدخل فيه من صلى بين العشاءين، ومن انتظر صلاة العشاء فلم ينم حتى يصليها لا سيما مع حاجته إلى النوم، ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن انتظر صلاة العشاء:  إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ..

ويدخل فيه من نام ثم قام من نومه بالليل للتهجد، وهو أفضل أنواع التطوع بالصلاة مطلقا " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (2 / 143).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب