الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

صيغة مبتدعة للدعاء بعد تلاوة آية الكرسي عدة مرات.

394394

تاريخ النشر : 31-07-2022

المشاهدات : 43424

السؤال

هذه دعوة آية الكرسي، وعزيمتها، وهي دعوة مستجابة، ولها تأثير بليغ حتى يريدها الطالب، وقال أبو حامد الغزالي قدس الله سره: وهذه دعوة مباركة، لم يوجد في العلم أسرع منها لتفريج الكروب في أوقات الشدائد وهي: " تقرأ أية الكرسي 313 مرة، أي بعدد المرسلين، وتقرأ الدعوة 7 مرات بعد قراءة الآية، وتكون تلك القراءة بعد العشاء الأخير، في مكان طاهر، خال عن الناس". وفي رواية عن الشيخ البوني قدس الله سره: " يقرأ هذه العزيمة في الخلوة عقيب الصلوات الخمس 20 مرة، فإن الله تعالى يسخر خدامها" انتهى. وقال بعض أهل الخواص: من داوم على هذه الدعوة المباركة كل يوم مرة بعد قراءة آية الكرسي بعدد كلماتها (50 مرة) أو بعدد حروفها ( 170 مرة ) سخر الله بني آدم وبنات حواء، وتفتح له جميع مغلقاته، وسهل عليه المر باليسر، فالعبد يريد أن برقي تسبب الأشياء، والله يقدر مع السبب. "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك، يا الله، يا الله، يا الله، يا رحمن، يا رحمن، يا رحمن، يا رحيم، يا رحيم، يا رحيم، يا رباه، يا رباه، يا رباه، يا سيداه، يا سيداه، يا سيداه، يا هو، يا هو، يا هو، يا غياثي، عند شدتي، يا أنيسي عند وحدتي، يا مجيب دعوتي، يا الله، يا الله، يا الله".

الجواب

الحمد لله.

هذه الصيغة بهذه الهيئة، مع الادعاء بأن لها فضلا خاصا؛ يحتوي على مخالفتين عظيمتين:

الأولى:

القول على الله تعالى بغير علم.

فالقول بأن هذا الصيغة من الأدعية مستجابة ولها مزية خاصة؛ يعني ذلك أن الله تعالى يحبها ويفضلها، وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحي لأنه من علم الغيب.

وهذه الصيغة لم تأت بها نصوص الوحي، بل هي من تركيب بعض الناس.

فلا يجوز للإنسان أن ينسب إلى الله تعالى ما ليس له به علم.

قال الله تعالى:  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  الأعراف/33.

وقال الله تعالى:  وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا  الإسراء/36.

الثانية:

أن صيغ الذكر وهيئته، كل ذلك من أبواب التعبد، وأمور التعبد لا يشرع شيء منها إلا بدليل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع" انتهى من"مجموع الفتاوى" (29/16).

فإن لم يقم عليها دليل فهي بدعة محدثة.

فتركيب صيغ وهيئات محدثة للأدعية ودعوة الناس إلى الالتزام بها هو ضرب من الابتداع في الدين، ومثل هذا لا يكون من شأنه أن يُستجاب، ولا من شأن صاحبه أن يثاب، وإنما يكون عملا مردودا.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ  رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

"وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/176).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف، والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها.

وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ..." انتهى من"مجموع الفتاوى" (22/ 510 –511).

وقال المعلمي رحمه الله تعالى:

"استثنى النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم لأن الداعي عاص بهذا الدعاء؛ فلا يستحق الإجابة أصلا، ويلحق بذلك – والله أعلم- من ابتدع في دعائه، إما في نفس الدعاء، وإما فيما يتعلق به؛ كأن تحرى مكانا، أو زمانا، أو هيئة، يزعم أن ذلك أقرب إلى الإجابة؛ ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم" انتهى من "العبادة" (ص411).

ثم من يتعب نفسه في حفظ هذه الصيغ المبتدعة وترديدها، يكون قد أعرض عن الصيغ التي جاء بها الوحي وثبت لها الفضل، وهذا من الغبن والخسران.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وإنني أقول لهؤلاء الذين ابتلوا بالبدع - الذين قد تكون مقاصدهم حسنة ويريدون الخير -: إذا أردتم الخير فلا والله نعلم طريقا خيرا من طريق السلف رضي الله عنهم.

أيها الإخوة، عضوا على سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنواجذ، واسلكوا طريق السلف الصالح، وكونوا على ما كانوا عليه وانظروا هل يضيركم ذلك شيئا؟

وإني أقول -وأعوذ بالله أن أقول ما ليس لي به علم- أقول: إنك لتجد الكثير من هؤلاء الحريصين على البدع يكون فاترا في تنفيذ أمور ثبتت شرعيتها وثبتت سنيتها، فإذا فرغوا من هذه البدع قابلوا السنن الثابتة بالفتور، وهذا كله من نتيجة أضرار البدع على القلوب، فالبدع أضرارها على القلوب عظيمة، وأخطارها على الدين جسيمة، فما ابتدع قوم في دين الله بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم من السلف" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (5/ 254–255).

كما أن هذه الصيغة احتوت على الدعاء بـ صيغة "هو" وهو ليس من أسماء الله تعالى، بل هو أمر مبتدع؛ فلا يجوز للمسلم أن يسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه، ولا دعاء الله تعالى بمجرد ترديد الاسم المفرد.

وينظر جواب السؤال رقم: (26867)، ورقم: (9389).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب