الحمد لله.
لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد - الله - وأشد منه ذكره باسمه المضمر - هو - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً : فليس بكلام تام ، ولا جملة مفيدة ، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة ، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ، ولا حالاً نافعاً ، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة ، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره .
وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنونٍ مِن الإلحاد ، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع .
وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! : حالٌ لا يُقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله ، وقال : " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد .
والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة ، وأدخل في البدعة ، وأقرب إلى إضلال الشيطان ، فإن من قال " يا هو يا هو " أو " هو هو " ونحو ذلك : لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه ، والقلب قد يهتدي وقد يضل ….
ثم كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل " الله " بقوله قل الله ثم ذرهم ويظن أن الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد ، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله قل الله معناه : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله قل مَن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله أي : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ، ردَّ بذلك قول من قال " ما أنزل الله على بشر من شيء " فقال : من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ؟ ثم قال : قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون .
ومما يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون " أن " إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً ، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات . " مجموع الفتاوى " ( 10 / 226 - 229 ) .
وقال - رحمه الله - أيضاً :
فأما الاسم المفرد مظهرا مثل " الله ، الله " أو مضمراً مثل " هو ، هو " : فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين .
وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول " الله ، الله " فقيل له : لم لا تقول لا إله إلا الله ؟ فقال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! .
وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه ؛ فإنه كان ربما يجنُّ ، ويُذهب به إلى المارستان ، ويَحلق لحيته ، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها وإن كان معذوراً أو مأجوراً فإن العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه .
وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة ، وذكر الكلمة التامة للعامة ، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين ، و " الله " للعارفين ، و " هو " للمحققين ، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على " الله الله الله " ، أو على " هو " ، أو " يا هو " ، أو " لا هو إلا هو " ! .
وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد ، وتارة برأي ، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول " الله الله الله " فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا ، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه ، ورأس الذكر لا إله إلا الله ، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت ، وقال : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " وقال : " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلا وجد روحه لها روحاً " ، وقال : " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال : " مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " ، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى . " مجموع الفتاوى " ( 10 / 556 - 558 ) .
ومن جعل مرجعه الكتاب والسنة في عبادته لم يعجز في معرفة الصواب والخطأ ، نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردّاً جميلاً . والله أعلم .
تعليق