الحمد لله.
الغصب لغة : أخذ الشيء ظلماً ومعناه في اصطلاح الفقهاء : الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق .
والغصب محرم بإجماع المسلمين ؛ لقوله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) , والغصب من أعظم أكل المال بالباطل , ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) , وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ) .
والمال المغصوب قد يكون عقاراًً وقد يكون منقولاً ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً ؛ طوقه من سبع أرضين ) .
فيلزم الغاصب أن يتوب إلى الله عز وجل , ويرد المغصوب إلى صاحبه , ويطلب منه العفو ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( من كانت عنده لأخيه مظلمة ؛ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم [ يعني يوم القيامة ] : إن كانت له حسنات ؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلوم ، وإن لم تكن له حسنات ؛ أخذ من سيئات المظلوم , فطرحت عليه , وطرح في النار , أو كما قال صلى الله عليه وسلم , فإن كان المغصوب باقياً ؛ رده بحاله , وإن كان تالفا ؛ رد بدله .
قال الإمام الموفق : ( أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير ) انتهى .
وكذلك يلزمه رد المغصوب بزيادته , سواء كانت متصلة أو منفصلة , لأنها نماء المغصوب , فهي لمالك الأصل .
وإن كان الغاصب قد بنى في الأرض المغصوبة أو غرس فيها , لزمه قلع البناء والغراس إذا
طالبه المالك بذلك , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس لعرق ظالم حق ) , رواه الترمذي وغيره وحسنه , وإن كان ذلك يؤثر على الأرض , لزمه غرامة نقصها , ويلزمه أيضا إزالة آثار الغراس والبناء المتبقية , حتى يسلم الأرض لمالكها سليمة .
ويلزمه أيضاً دفع أجرتها منذ أن غصبها إلى أن سلمها ؛ أي أجرة مثلها ؛ لأنه منع صاحبها من الانتفاع بها في هذه المدة بغير حق .
وإن غصب شيئاً وحبسه حتى رخص سعره ؛ ضمن له نقصه على الصحيح .
وإن خلط المغصوب مع غيره مما يتميز - كحنطة بشعير - ؛ لزم الغاصب تخليصه ورده , وإن خلطه بما لا يتميز - كما لو خلط حنطة بمثلها - ؛ لزمه رد مثله كيلاً أو وزناً من غير المخلوط , وإن خلطه بمثله أو أحسن منه أو خلطه بغير جنسه مما لا يتميز ؛ بيع المخلوط , وأعطي كل منهما قدر حصته من الثمن , وإن نقص المغصوب في هذه الصورة عن قيمته منفردا ًضمن الغاصب نقصه .
ومما ذكروه في هذا الباب قولهم : " والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان " : ومعناه أن الأيدي التي ينتقل إليها المغصوب عن طريق الغاصب كلها تضمن المغصوب إذا تلف فيها , وهذه الأيدي عشر : يد المشتري وما في معناه , ويد المستأجر , ويد القابض تملكاً بلا عوض كيد المنتهب , ويد القابض لمصلحة الدافع كالوكيل , ويد المستعير , ويد الغاصب , ويد المتصرف في المال كالمضارب , ويد المتزوج للمغصوبة , ويد القابض تعويضا بغير بيع , ويد المتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه ، وفي كل هذه الصور إذا علم الثاني بحقيقة الحال , وأن الدافع إليه غاصب ؛ فقرار الضمان عليه ؛ لتعديه على ما يعلمه غير مأذون فيه من مالكه ؛ وإن لم يعلم بحقيقة الحال ؛ فالضمان على الغاصب الأول .
وإن كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره لزم الغاصب أجره مثله مدة بقائه بيده ؛ لأن المنافع مال متقوم , فوجب ضمانها كضمان العين .
وكل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة ؛ لعدم إذن المالك .
وإن غصب شيئاً وجهل صاحبه ولم يتمكن من رده إليه ؛ سلمه إلى الحاكم الذي يضعه في موضعه الصحيح , أو تصدق به عن صاحبه , وإذا تصدق به ؛ صار ثواباً لصاحبه , وتخلص منه الغاصب .
وليس اغتصاب الأموال مقصوراً على الاستيلاء عليها بالقوة بل ذلك يشمل الاستيلاء عليها بطريق الخصومة الباطلة والأيمان الفاجرة : قال الله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) ؛ فالأمر شديد والحساب عسير .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين ) , وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قضيت له بحق أخيه ؛ فلا يأخذه ؛ فإنما أقطع له قطعة من نار ) .