حكم خياطة ما يعين على المعصية
أعمل خيَّاطة ، وقد عملت أغطية لكراسي تستعمل في أعراس أغلبها ليست إسلامية ، وفيها ما فيها من المنكرات والمحرمات , هل أنا آثمة في فعلي هذا ؟
وهل المبلغ الذي تقاضيته في المقابل حرام ؟
الجواب
الحمد لله.
خياطة الثياب والستائر والأغطية للاستعانة بها على المحرمات : لا تجوز ، كخياطة
الستائر لقاعات الرقص والغناء ، أو خياطة ثياب الحرير للرجال ، أو خياطة الألبسة
الضيقة والمتكشفة لمن يعلم – أو يغلب على ظنه - أنها ستلبسه أمام الرجال الأجانب
عنها، ونحو ذلك من صور الإعانة على فعل المحرم.
والقاعدة التي تجمعها هي : "تحريم بيع أو تصنيع أو الاستئجار على أي عمل يعين على
معصية الله ".
دليل ذلك قول الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2
.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) أي : ليُعن بعضكم بعضا على البر ،
وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأعمال الظاهرة والباطنة ، من حقوق
الله ، وحقوق الآدميين .
والتقوى في هذا الموضع : اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله ، من الأعمال
الظاهرة والباطنة .
وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها ، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها :
فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه ، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها ، بكل قول
يبعث عليها وينشط لها ، وبكل فعل كذلك .
( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها .
( وَالْعُدْوَانِ ) وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، فكل
معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه .
( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) على من عصاه وتجرأ على
محارمه ، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل"
انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص 218 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله :
"إذا أعان الرجلَ على معصية الله : كان آثماً ؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان ،
ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ،
والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها .
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها ، ولهذا ينهى عن
بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما : كقتال المسلمين ، والقتال في الفتنة .
ومن أخذ عِوضًا (الأجرة) عن عين محرمة ، أو نفع استوفاه ، مثل أجرة حَمَّال الخمر ،
وأجرة صانع الصليب ، وأجرة البَغِيّ ، ونحو ذلك : فليتصدق بها ، وليتب من ذلك العمل
المحرم ، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله ؛ فإن هذا العوض لا يجوز
الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ، ولا يعاد إلى صاحبه ؛ لأنه قد استوفى العوض ، ويتصدق
به ، كما نص على ذلك مَن نَصَّ من العلماء ، كما نَصَّ عليه الإمام أحمد في مثل
حامل الخمر ، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم"
انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 141 – 142 )
ونقل في "شرح العمدة" ( 4 / 385 –
387 ) عن الإمام أحمد تحريم خياطة الثياب للجنود الظلمة ، وأنه إذا فعل ذلك فقد
أعانهم على الظلم .
ثم قال شيخ الإسلام :
"وكل لباس يغلب على الظن أن يُستعان بلبسه على معصية : فلا يجوز بيعه ، وخياطته لمن
يستعين به على المعصية والظلم ، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على
معصية" انتهى باختصار
.
وعلى هذا؛ فما قمتِ به من خياطة أغطية لكراسي الأفراح التي ترتكب فيها المعاصي
والآثام عملٌ محرم ، وكسبكِ منه محرَّم أيضاً ، والواجب عليكِ التوبة إلى الله
تعالى منه ، والتصدق بالأجرة التي أخذتيها مقابل هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيراً ، وأن يتقبل توبتك.
والله أعلم