صحة حديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات...)

15-09-2007

السؤال 104460

جاء في الحديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة) ما المقصود بالحديث؟ وهل هو على ظاهره؟

ملخص الجواب:

حديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة) وغيره من الأحاديث التي وردت في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، لا تثبت وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل. وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات لأنه من دعاء الرسل والأنبياء الكرام وأمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو به.

الجواب

الحمد لله.

صحة حديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات...)

لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وما ورد في ذلك لا يثبت، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك:

وعيسى بن سنان: ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية. انظر "تهذيب التهذيب" (8/212)
وعتبة بن حميد: قال فيه أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/428)
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210): إسناده جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد.

رواه الطبراني في الكبير(23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255): " قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال مرة: متروك الحديث.
وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقد مشاه شعبة، وقال: اكتبوا عنه، فإنه شريف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة، لكنها منكرة الاسناد " انتهى.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210): " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف " انتهى.

  1.  من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:
    من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز و جل عليه من آدم فما دونه.
    رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم.
    قلت: فيه علتان: الأولى: ضعف شعيب بن كيسان، والثاني: الانقطاع بينه وبين أنس، فقد قال البخاري عقب إخراجه له: " لا يعرف له سماع من أنس، ولا يتابع عليه "
    لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321): وسنده ضعيف.
    وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976): " منكر " انتهى.

  2.  من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ:
    ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217)
    قلت: وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/99)

استحباب الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات

الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام، فقد دعا به نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ نوح/28

ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ إبراهيم/41

وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ محمد/19

وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ الحشر/10
 

فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفرة لإخوانهم المسلمين، الأحياء منهم والميتين، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217):
" عن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟
قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ)
قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا.
قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟
قال: بل بنفسي، كما قال الله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ " انتهى.
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299):
" والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم، فيصير هِجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به.
وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها، وسمعتُه يقول: إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى.

فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولخصوص الأجور المذكورة فيها، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات.
 

ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 300341، 140798، 181734، 216046.

والله أعلم.

الأحاديث الضعيفة الرقائق
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب