تركها أهلها في صغرها ، ورباها عمُّها وزوجته ، فكيف تتصرف مع أهلها ؟
أبي وأمي أعطياني لعمِّي ، وأنا عمري ثلاثة أيام ، ولقد كبرت في بيت عمي وزوجته ، وأنا أظن أنهما والداي ، إلى أن صار عمري 12 سنة ، وعلمت بالأمر ، فصدمت ، ولكن بعد فترة اعتدت بالوضع ، وصرت أعيش بينهما ، ولكن أبي الحقيقي يعاملني على أنني ابنة أخيه ، وكذلك أمي ، وإخوتي ، إلى أن تزوجت ، ووقعتْ بيني وبينهم مشكلة ، لستُ سبباً فيها ، فقاطعوني ، حتى أنني أنجبتُ إثر عملية قيصرية ، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عليَّ ، فهل أنا مذنبة في حقهم ؟ وهل أعتبر عاقة لوالدي - مع العلم أنهم قد تخلوا عني منذ صغري - ؟ ، وما هو واجبي تجاههم في الشرع ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من رحمة الله تعالى بك أن يعوضك عن تقصير أبيك وأمك ،
وإهمالهم لشأنك ، بعناية عمك وزوجه ، وقيامهم بأمرك ، وعمك ـ والحمد لله ـ هو محرم
لك ، بل هو كأبيك لك ، كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( ... يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ )
رواه مسلم (983)
.
وإن كان الواجب على الجميع أن تتم هذه العناية من عمك وزوجه ، وأنت تعرفين كفالته
لك على أنك ابنة أخيه ؛ فتربيتهم لكِ ، ومعيشتك تلك الفترة في بيتهم ، وتحت كنفهم :
لا يجعلك بنتاً لهم ، ولا ينزع والديك منك ، لا نسبة ، ولا برّاً لهما ، ولا صلةً
لأشقائك ، وإن كانوا قد أخطأوا بفعلهم ذاك ، فإنه لا يجوز لك مقابلة الخطأ بخطأ ،
بل تعفين وتصفحين ، ولك الأجر إن شاء الله ، وإن كان لعمك أبناء فإنه لا يحل لك أن
تختلي بأحدٍ منهم ، ولا أن تكشفي عن شيء من جسمك أمامهم ؛ فهم أجانب عنكِ ، ولست
أختاً لهم حتى يحل لك ذلك .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
إنني فتاة في سن الحادية والعشرين من عمري ، ولدت على أيام الحرب – أي : حرب الستين
- في الحرب فقدت والدتي ووالدي ، وأطفال كثيرون فقدوا الآباء والأمهات ، جمعونا يوم
ذاك ، وأخذونا إلى ملجأ في " عمان " ، عشت في الملجأ شهراً على الأقل ، وجاءت عائلة
أردنية ، وأخذتني بالتبني ! لأنهم زوجان لا ينجبان الأولاد ، عشت معهم وكأنني ابنة
لهم ، لم يشعروني بأي شيء، فعلا ربوني على الهداية ، والحمد لله رب العالمين ، عرفت
من زميلاتي في المدرسة أن لا أهل لي ، في البداية لم أهتم لذلك ؛ لأن والدتي معي ،
ولكن الآن والدتي بالتبني توفيت ، وأنا لوحدي مع والدي ، هو رجل كويس ، والحمد لله
، ولكنه محرَّم عليَّ ، أنا أمامه ألبس الطويل الساتر ، ولكن لا ألبس الإيشارب ،
عشت عند دار والدتي ، أي : دار جدي بالتبني ، ولكن لم أرتح كثيراً ، فرجعت لوالدي
أعيله لأنه مريض ، بعديد من الأمراض ، هل وجودي معه حرام ، وهل عدم لبس الإيشارب
أمامه حرام ؟ .
فأجابوا :
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناك كما كان الحال في زمن الجاهلية ، إنما القصد منه
الإحسان ، وتربية الصغير ، والقيام بمصالحه ، حتى يكبر ، ويرشد ، ويتولى شؤون نفسه
ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك ، لكنه ليس أباً ولا محرماً
لك ، فيجب أن تحتجبي عنه ، شأنك معه في هذا كأي أجنبي ، مع مقابلة إحسانه بالإحسان
، ومعروفه بالمعروف ، مع الحجاب ، وعدم الخلوة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 360 )
.
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
امرأة متزوجة ، ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً ، لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً
وتنسبه لها ولزوجها أم لا ، وإذا كان جائزاً فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه ،
بمعنى : أن يكون أبواه معروفين ، ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً ، أو مَن لا يعرف
أبواه ونحو ذلك ؟
فأجاب :
التبني كان موجوداً في الجاهلية فأبطله الإسلام ، ونهى عنه ، فالطفل المتبنَّى يكون
أجنبيّاً من المتبنِّي ؛ لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين ، ولا ينسب لمن تبناه .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ
قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )
الأحزاب / 4 ، 5
.
فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام ، ونهى عنه ،
ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم ، وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على
تربيته ، فالإحسان إليه فيه فضل عظيم ، لكن لا يتبناه .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 /
197 ، السؤال 216 ) .
وانظري جوابي السؤالين : (
10010 ) و (
5201 ) .
ثانيا :
أما بخصوص بر والديكِ : فاعلمي أن ما فعلاه في حقك لا يجيز لك التخلي عنهما ،
وهجرهما ، ولا يمكنكِ التبرؤ من النسبة إليهما ، ويجب عليكِ برُّها ، والإحسان
إليهما ، ويحرم عليكِ جفاؤهما وعقوقهما .
قال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء/ 36
.
وقال سبحانه : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/ 14
.
وقال عز وجل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا .
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/ 23 ،
24 .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ : الصَّلَاةُ
عَلَى وَقْتِهَا ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ،
قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
رواه البخاري ( 504 ) ومسلم ( 85 )
.
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ -
ثَلَاثًا - ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِشْرَاكُ
بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ :
أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ
سَكَتَ .
رواه البخاري ( 2654 ) ومسلم ( 126 )
.
وانظري أجوبة الأسئلة : (
22782 ) و (
13783 ) و (
11495 ) و (
3044 ) .
والله أعلم