كان يصلي ويترك خلال أربعة أشهر فهل يلزمه القضاء
شخص كان محافظا على الصلاة وحصل عليه حادث وفقد الذاكرة فترة من الزمن ثم رجعت إليه مرة أخرى ، وأصبح يترك الصلاة تهاونا وكسلا ، ثم عاد مرة أخرى يصلي بعض الفروض ويترك البعض ، وله الآن على هذه الحالة أربعة شهور ، فهل عليه إعادة تلك الفروض التي كان لا يصليها خلال الأربعة أشهر أم يكتفي بالتوبة فقط ؟
الجواب
الحمد لله.
من ترك الصلاة متعمدا فقد ارتكب إثما عظيما ، وذنبا كبيرا ، ولو كان تركه لبعض
الصلوات ، بل تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب ؛ لقوله تعالى : (
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .
قال ابن مسعود عن الغي : واد في جهنم ، بعيد القعر ، خبيث الطعم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
) رواه البخاري (553).
وقال : (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ ، وَلَا
تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ
شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقد جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج
وقتها أنه كافر .
قال ابن حزم رحمه الله: " فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل ،
وابن مسعود ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وعن ابن المبارك ، وأحمد بن
حنبل ، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم ، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة ،
رضي الله عنهم ، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها ، فإنه كافر
ومرتد ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك ، وبه يقول عبد الملك بن حبيب
الأندلسي وغيره ". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128).
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز
رحمه الله . "فتاوى اللجنة" (6/40، 50) .
وقد اختلف أهل العلم هل يلزم من ترك الصلاة متعمداً بدون عذر قضاء ما ترك أم لا ؟
فالجمهور على أنه يلزمه القضاء ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزمه القضاء ، ولا
يصح منه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (34) : "وتارك الصلاة عمدا لا
يشرع له قضاؤها ، ولا تصح منه ، بل يكثر من التطوع ، وهو قول طائفة من السلف" انتهى
.
وهذا هو القول الراجح ، وممن رجحه من المعاصرين الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين
رحمهما الله .
قال الشيخ ابن عثيمين : " فالراجح : أنه لا يلزمه القضاء ؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً
، إذ إنه لن يقبل منه ، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن
ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل ، وتعدي
حدود الله تعالى ظلم ، والظالم لا يقبل منه ، قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على
وقتها - أي : فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه ، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل
منه ، إلا أن يكون معذوراً " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ( 19 /
السؤال رقم 45 ) .
وينظر : "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/329، 330) ، "الشرح الممتع" (2/89) .
وعليه ؛ فالواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يحافظ على الصلوات في
أوقاتها ، وينبغي أن يكثر من النوافل والأعمال الصالحة ، قال الله تعالى :
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)
طه/82 ، ولا يلزمه قضاء ما تركه ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبته ، وأن يغفر ذنبه
، ويصلح حاله .
والله أعلم .