لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق
شخص والدته محبة للخير ، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض ، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب ؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها ، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها . فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها ؟
الجواب
الحمد لله.
"ليس من المشروع ، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه
، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد
قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه يقوم الليل ولا ينام ، ويصوم النهار ولا يفطر ،
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ،
وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي
حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159)
. فالإنسان نفسه عنده أمانة ، يجب عليه أن
يرعاها حق رعايتها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ
مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) .
وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين
رضي الله عنه : (صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري
(1117) . ولما رفع الصحابة رضي
الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ارْبَعُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992)
أي : لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة ، كما يمشي الناس في الربيع ، والناس في الربيع
يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل ، ولا تتكلف المشي .
فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها :
ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل ، وألا تكلف
نفسها ، وأن تتقي الله في نفسها ، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا
بغيره .
وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم ، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير
محرم لها في السيارة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ
بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233)
وهذا النهي عام ، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم ، ولو كان معها غيرها . فهنا
أمران : خلوة وهي حرام في الحضر والسفر ، وسفر وهو حرام إلا بمحرم .
فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها .
أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده
لعلها تمتنع فهذا طيب ، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب ، فأرى أن لا يمتنع ما
دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها ، وهو غير محرم ، فالذي أرى ،
ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى
باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام
(127- 130) .