هل يقبض يديه ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين؟
ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شريط صفة الصلاة , أن السنة في الجلسة بين السجدتين أن يرفع السبابة ويحركها عند الدعاء , أي كما في التشهد تماماً . والغريب أن هذا القول لم يقل به فيما أعلم سوى الشيخ ابن عثيمين . حتى إن هذا القول غير موجود في صفة الصلاة في كتاب الشرح الممتع . فهل أعمل بهذا القول؟
الجواب
الحمد لله.
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء ، فمنهم من يقول : إن المصلي يقبض يده اليمنى
ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين ، كما يفعل في التشهد ، ومنهم من يقول : بل
يبسط يده ولا يقبضها .
قال ابن القيم رحمه الله : " ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبرا غير رافع
يديه ، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه ، ثم يجلس مفترشا ، يفرش رجله اليسرى ، ويجلس
عليها ، وينصب اليمنى . وذكر النسائي عن ابن عمر قال : (من سنة الصلاة : أن ينصب
القدم اليمنى ، واستقباله بأصابعها القبلة ، والجلوس على اليسرى) . ولم يحفظ عنه
صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه .
وكان يضع يديه على فخذيه ، ويجعل مِرفقه على فخذه ، وطرف يده على ركبته ، ويقبض
ثنتين من أصابعه ، ويحلق حلقةً ، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويحركها ، هكذا قال وائل
بن حجر عنه ... ثم كان يقول بين السجدتين : ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني
، وارزقني ) هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم ، وذكر
حذيفة أنه كان يقول : ( رب اغفر لي ، رب اغفر لي ) "
انتهى من "زاد المعاد" (1/230) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما بالنسبة لليسرى : فتكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة ، ويكون طرف
المرفق عند طرف الفخذ ، بمعنى : لا يفرجها ، بل يضمها إلى الفخذ .
أما اليمين : فإن السنة تدل على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع
الوسطى ، ويرفع السبابة ، ويحركها عند الدعاء . هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من
حديث وائل بن حجر بسند قال فيه صاحب "الفتح الرباني" : إنه جيد . وقال فيه المحشي
على "زاد المعاد" : إنه صحيح ، وإلى هذا ذهب ابن القيم . .
أما الفقهاء : فيرون أن اليد اليمنى تكون مبسوطة في الجلسة بين السجدتين كاليد
اليسرى ، ولكن اتباع السنة أولى ، ولم يرد في السنة لا في حديث صحيح ، ولا ضعيف ،
ولا حسن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الرجل اليمنى ، إنما ورد أنها تقبض ، يقبض
الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، أو تضم الوسطى أيضا ، ويضم إليها
الإبهام إذا جلس في الصلاة ، هكذا جاء عاما ، وفي بعض الألفاظ : ( إذا جلس في
التشهد ) وكلاهما في صحيح مسلم ، فنحن إذا أخذنا كلمة ( إذا جلس في الصلاة ) قلنا :
هذا عام في جميع الجلسات . وقوله : ( إذا جلس في التشهد ) في بعض الألفاظ لا يدل
على التخصيص ؛ لأن لدينا قاعدة ذكرها الأصوليون ، وممن كان يذكرها دائما الشوكاني
في "نيل الأوطار" والشنقيطي في "أضواء البيان" أنه إذا ذُكر بعض أفراد العام بحكم
يطابق العام ، فإن ذلك لا يدل على التخصيص ، إنما التخصيص أن يذكر بعض أفراد العام
بحكم يخالف العام .
مثال الأول : قلت لك : أكرم الطلبة ، هذا عام يشمل كل طالب ، ثم قلت : أكرم فلانا
وهو من الطلبة ، فهل يقتضي هذا ألا أكرم سواه ؟ الجواب : لا ، لكن يقتضي أن هناك
عناية به من أجلها خصصته بالذكر .
ومثال الثاني : أكرم الطلبة ، ثم قلت : لا تكرم فلانا وهو من الطلبة ، فهذا تخصيص ؛
لأنني في الأول ذكرت فلانا بحكم يوافق العام لدخوله في العموم ، وهنا ذكرته بحكم
يخالف العام ، ولهذا يقولون في تعريف التخصيص : تخصيص بعض أفراد العام بحكم مخالف .
أو : إخراج بعض أفراد العام من الحكم . فلا بد أن يكون مخالفا ، أما إذا كان موافقا
فإن جمهور الأصوليين كما حكاه صاحب "أضواء البيان" يرون أنه لا يفيد التخصيص ، وهو
ظاهر كما في المثال الذي ذكرناه . وعلى هذا فيكون بعض ألفاظ حديث ابن عمر الذي خص
القبض بالتشهد لا يقتضي التخصيص من بعض ألفاظه الدالة على العموم "
انتهى من "الشرح الممتع" (3/177)
.
وبهذا يتبين لك دليل المسألة ، وموضعها من الشرح الممتع .
والله أعلم .