الحكمة من منع الوصية بأكثر من الثلث
لماذا منعت الوصية بأكثر من الثلث ؟
الجواب
الحمد لله.
منع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من الوصية بأكثر من
الثلث ، فقال عليه الصلاة والسلام : (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ
خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري
(2742) ومسلم (1628) .
وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث إلى الحكمة من هذا المنع ، وهي أن
يترك المال للورثة ، فلا يحتاجون معه لسؤال الناس ، وأن هذا خير له من أن يوصي ثم
يترك ورثته فقراء .
فأراد الرسول صلى الله عليه بذلك : تحقيق العدل بين الوصية وبين حق الورثة في المال
، وإذا كان الموصي يريد بالوصية الثواب ، فإن تركه المال لورثته الفقراء المحتاجين
إليه أكثر ثواباً ، فإن إعطاء القريب الفقير أفضل من إعطاء من ليس قريباً .
ولهذا يستحب لمن كان ورثته فقراء ، وكان ماله قليلاً بحيث لا يغني الورثة ، يستحب
له أن لا يوصي ، ويترك المال لورثته .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : (إنك لن تدع طائلاً إنما
تركت شيئاً يسيراً ، فدعه لورثتك) ، ذكره ابن قدامه رحمه الله في "المغني" ثم قال :
"متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة ، فلا تستحب الوصية ، لأن النبي صلى الله
عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله : (أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم
عالة) ، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي ، فمتى لم يبلغ الميراث
غناهم ، كان تركه لهم كعطيتهم إياه ، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم"
انتهى .
"المغني" (8/392، 393) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال ، فإذا أوصى بزائد عن
الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم ، ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلثي ماله قال : (لا ، قال : فالشطر ؟ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، قال : فالثلث ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم
: الثلث والثلث كثير . إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون
الناس) . فأشار الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد
على الثلث ، ولهذا لو أوصى بزائد على الثلث وأذن الورثة فلا بأس بذلك" انتهى
.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص333) .
والله أعلم .