يرغمها على العمل ويريد الزواج من غيرها فهل تطلب الطلاق ؟
إن زوج خالتي طلب منها أن تأذن له بالزواج من زوجة ثانية وأخبرها قريباً بأمر الزفاف ، المشكلة أن خالتي لم تستطع العمل السنوات القليلة الماضية لمرضها لكن زوجها أجبرها على العمل في عمل تنظيفي ، وهو يعمل أيضًا لكنه يأخذ كل مالها التي تعمل به ويعطيها القليل ، وأخبرها أنه لن يدفع مصاريف الإيجار ولا الطعام لذا عليها أن تعمل أكثر ، والعمل يتسبب في مرضها ، وخالتي هي التي تدفع مصاريف كل شيء ، وهو يدّعي أنه ليس لديه أي مال ، والواقع أنه ينفق جميع ماله على بيت زوجته الثانية وعلى زفافه ، أخبرْنا خالتَنا ] أو عمتنا [ أن تأتي وتقيم معنا هربًا منه ، وهذه ليست أول مرة يتزوج فيها زوجة ثانية ويهمل خالتي لكن خالتي تقول إنها ستعطيه فرصة أخرى ، هل حرام أن نشجع خالتنا أن تبقى مقيمة معنا لمدة ونحثها على الطلاق منه ؟ نحن خائفون على صحتها ، فهي مريضة أليس لها حق في الطلاق ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
أوجب الله تعالى على الزوج أن يُسكن زوجته ويكسوها وينفق عليها ، وقد جعل الله ذلك
– كله – حقّاً للزوجة .
قال تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [ الطلاق / 6
] .
قال ابن حزم - رحمه الله - :
ويلزمه – أي : الزوج - إسكانها على قدر طاقته ؛ لقول الله تعالى أسكنوهن من حيث
سكنتم من وجدكم [ الطلاق / 6 ] .
" المحلى " ( 9 / 253 ) .
وقال ابن قدامة - رحمه الله - :
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى أسكنوهن… فإذا وجبت السكنى للمطلقة ،
فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف ، ومن المعروف أن
يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف
والاستمتاع وحفظ المتاع ." المغني " ( 9 / 237 ) .
وعن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل : ما حق المرأة على
زوجها ؟ قال : " تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح
، ولا تهجر إلا في البيت " .
رواه أبو داود ( 2142 ) وابن ماجه ( 1850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (
1929 ) .
قال الخطابي – رحمه الله - :
في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها ، وليس في ذلك حد معلوم ، وإنما هو على المعروف ،
وعلى قدر وسع الزوج وَجِدَتِه ، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو
لازم للزوج ، حضر أو غاب ، وإن لم يجده : كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر
الحقوق الزوجية . " معالم السنن على هامش المنذري " ( 3 / 67 ، 68 ) .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله في النساء
فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ).
قال النووي - رحمه الله - :
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها ، وذلك ثابت بالإجماع . " شرح مسلم " ( 8 / 184 ) .
ثانياً :
يجب على المعدِّد أن يتقي الله تعالى ويعدل في النفقة والكسوة والمبيت ، ولا يحل له
أن يجور في قسمته بين نسائه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وأما العدل في النفقة والكسوة : فهو السنَّة أيضاً ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه
وسلم ، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة ، كما كان يعدل في القسمة ، مع تنازع
الناس في القَسم ، هل كان واجباً عليه أو مستحباً له ؟ وتنازعوا في العدل في النفقة
هل هو واجب ؟ أو مستحب ؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 269 ) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المعدَِّد من أن يظلم إحدى نسائه .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى
إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " .
رواه الترمذي ( 1141 ) وأبو داود ( 2133 ) والنسائي ( 3942 ) وابن ماجه ( 1969 ) ،
وصححه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " ( 3 / 310 ) ، والألباني في " إرواء
الغليل " ( 7 / 80 ) .
قال الشافعي - رحمه الله - :
ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين : أن على
الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص
له أن يجور فيه . " الأم " ( 5 / 158 ) .
وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن . " الأم
" ( 5 / 280 ) .
وقال البغوي - رحمه الله - :
إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ
حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات ... فإن ترك التسوية في فعل القَسم : عصى الله
سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة . " شرح السنة " ( 9 / 150 ، 151 ) .
ثالثاً :
لا يجوز للزوج أن يأخذ راتب زوجته إلا عن طيب نفسٍ منها ، وقد أباحت لها الشريعة
أن تعمل عملاً مباحاً – دون إلزام ، لأن النفقة واجبة على زوجها – وأباحت لها
التملك لهذا المال ، فإن أعطت منه زوجَها جاز ، وإن أخذه عن غير طيب نفسٍ منها كان
سحتاً عليه .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
لا حرج عليك في أخذِ راتب زوجتك برضاها إذا كانت رشيدة ، وهكذا كل شيء تدفعه إليك
من باب المساعدة لا حرج عليك في قبضه ، إذا طابت نفسها بذلك وكانت رشيدة ؛ لقول
الله عز وجل في أول سورة النساء فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا
فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [ النساء / 4 ] ، ولو كان ذلك بدون سند ، لكن إذا
أعطتْك سنداً بذلك فهو أحوط إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها وقراباتها أو تخشى رجوعها
. " فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 672 ، 673 ) .
رابعاً :
إذا علمت الزوجة أن الزوج يجب عليه أن يؤمن لها المسكن والنفقة والكسوة ، وعلمت أن
العدل واجب عليه بين نسائه ، وعلمت أنه لا يحل له أن يجبرها على العمل ولا على أن
تعطيه راتبها ، ثم رأت من زوجها مخالفة لكل ما ذُكر أو لبعض منه : فهي بالخيار :
إما أن تصبر على هذا الظلم رجاء أن يتغير زوجها وأن يُصلَح حاله ، وإما أن تطالب
بحقها عن طريق المحاكم الشرعية ، فإن لم يُصلَح زوجُها ، أو لم تحصِّل حقَّها من
المحاكم الشرعية ، ولم تستطع الصبر على ظلم زوجها : فإن لها حق طلب الطلاق ،
واستيفاء حقِّها كاملاً منه .
ومع أن المرأة كلما استطاعت الصبر على ما تجده من ظلم زوجها وأذاه ، وحافظت على
بيتها ، فهو أفضل لها وأولى من الطلاق منه ؛ فإن لكل حالة من الخصوصية ما يوجب
النظر في ملابساتها مجتمعة ، قبل إبداء الرأي فيها ، ويمكنها ـ هنا ـ أن تستشير
عقلاء أهلها وأقربائها في موضوعها ، فإما أن يصلَح الحال وتمضي حياتها على خير ،
وإما أن تختار لنفسها أحد الأمرين : الصبر أو الطلاق ، والتحذير من طلب الطلاق إنما
هو في حال أن يكون من غير سبب شرعي .
عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق
في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"
رواه الترمذي ( 1187 ) وحسَّنه ، وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) .
والله أعلم