حديث: (تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع)
سمعت أن قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو راكع . فهل هذا الحديث صحيح ؟ .
الجواب
الحمد لله.
هذا الحديث موضوع ، وضعه وروّجه بعض الكذابين ، ليثبت به فضيلة لعلي رضي الله عنه .
وعلي رضي الله عنه فضائله كثيرة مشهورة لا تحتاج إلى مثل هذا الكذب .
وعند التأمل في هذه الحديث فإنه لا يثبت فضيلة لعلي رضي الله عنه .
وقد بَيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال :
"وقد وضع بعض الكاذبين حديثاً مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في
الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بَيِّن من وجوه كثيرة :
منها : أن قوله : (الذين) صيغة جمع ، وعليّ واحد .
ومنها : أن (الواو) ليست واو الحال ، إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا من
أعطى الزكاة في حال الركوع ، فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة .
ومنها : أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب ، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس
واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة ، فإن في الصلاة شغلاً .
ومنها : أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال
الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن .
ومنها : أن علياً لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أنه لم يكن له أيضاً خاتم ، ولا كانوا يلبسون الخواتم ، حتى كتب النبي صلى
الله عليه وسلم كتاباً إلى كسرى ، فقيل له : إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً ،
فاتخذ خاتماً من وَرِق [فضة] ونقش فيها : محمد رسول الله .
ومنها : أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم ، فإن أكثر الفقهاء
يقولون : لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة .
ومنها : أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل ، والمدح في الزكاة : أن يخرجها ابتداء
، ويخرجها على الفور ، لا ينتظر أن يسأله سائل .
ومنها : أن الكلام في سياق النهي عن مولاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين ، كما
يدل عليه سياق الكلام" انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (2/30-32) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الحديث فقال :
"هذا الحديث ليس بصحيح ، ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير ، وحكم عليه بالضعف ؛
لضعف رجال أسانيده ، وجهالة بعضهم .. وذكر أنه لم يقل أحد من أهل العلم فيما يعلم
بفضل الصدقة حال الركوع . أ هـ المقصود .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منهاج السنة أن الحديث المذكور موضوع .
وبهذا يعلم أن قوله تعالى : (وَهُمْ رَاكِعُونَ) معناها : وهم خاضعون ، ذليلون لله
تعالى ؛ لأن الركوع والسجود يمثلان غاية الذل لله والاستكانة ، فالمؤمن يتصدق وهو
خاضع لله ، لا متكبر ، ولا مُدْلٍ بعمله ، ولا مراءٍ ولا مُسَمِّع .. والله ولي
التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/218) .
والله أعلم .