بيع السلعة واشتراط أنه غير مسئول عنها إذا كانت معيبة
عندي صيدلية وأحيانا ينقص أصناف من الدواء ويزيد سعره ، فيقوم بعض الناس بجلبه من صيدليات دولة مجاورة عن طريق السيارة الخاصة ، أو الحقيبة الشخصية ، كميات محدودة ، ولكن تكون سببا في حل الأزمة ، وتخفيض السعر ، ولا نعلم ما إذا تعرض لحرارة أو رطوبة ، والمشترى يعلم أن هذا الصنف غير موجود في البلاد ، وأنه مجلوب بهذه الطريقة ، ويبحث عنه ويشتريه ، والغالب أنه يكون جيدا وفعالا بحكم التجربة ، والإقبال عليه مرارا من نفس الزبون ، ونادرا ما يكون فاسدا ، ويذكر لنا الزبون ذلك ، فهل يلحقنا إثم بهذا ؟
الجواب
الحمد لله.
يجب على كلٍّ من البائع والمشتري أن يكون صادقاً ، وهذا الصدق سببٌ من أسباب حصول
البركة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ
كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا )
رواه البخاري (2110) ومسلم (1532).
فإن علم البائع أن في السلعة عيباً فيجب عليه إخبار المشتري به ، ولا يجوز له
كتمانه ، وغش المشتري ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (مَنْ غَشَّنَا
فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
وإذا اشترى الإنسان شيئاً فوجده معيباً جاز له رده إلى بائعه ، ووجب على البائع
قبوله ، ولا يجوز رفضه ، سواء كان البائع عالماً بالعيب أم لم يكن عالماً .
لكن .. اختار أكثر العلماء – وهو الصحيح - أنه يجوز للبائع أن يشترط على المشتري
أنه غير مسئول عن أي عيب في السلعة المبيعة ، فإذا رضي المشتري واشتراها على ذلك ثم
وجد بها عيباً ، فليس له أن يطالب بردها ، لأنه دخل في الأمر على بصيرة ، وهو الذي
رضي بإسقاط حق نفسه ، ولكن يشترط هنا أن لا يكون البائع عالماً بالعيب ثم يشترط ذلك
على المشتري ، لأن هذا يعتبر غشاً وخديعة للمشتري .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب ،
والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم : أن البائع إذا لم يكن يعلم بذلك العيب
فلا رد للمشتري" انتهى من "الاختيارات" (ص
124) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"والصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية :
وهو : إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال ، سواء شرط مع العقد ، أو
قبل العقد ، أو بعد العقد .
وإن كان غير عالم فالشرط صحيح ، سواء شرط قبل العقد ، أو مع العقد ، أو بعد العقد .
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح ، وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم ، وهو
الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه ؛ لأنه إذا كان عالماً بالعيب ، فهو غاش خادع ،
فيعامل بنقيض قصده ، بخلاف ما إذا كان جاهلاً ، كما لو ملك السيارة قريباً ، ولا
يدري بالعيوب التي بها وباعها واشترط البراءة ، فالشرط صحيح" انتهى .
من "الشرح الممتع" (8/256، 257) .
وعلى هذا ؛ فالذي يظهر لنا أنه ينبغي لك أن تبين للمشتري أن هذا الدواء مجلوب من
بلدة مجاورة . وهناك احتمال أن يكون قد فسد أو ضعفت فاعليته ، ونحو ذلك ، وتكون
صادقا في ذكر هذا للمشتري ، ثم تشترط عليه أنه إذا وجده معيباً فإنك غير ملزم برده
، فإن اشتراه على ذلك ورضي ، فلا حرج عليك ، حتى لو وجده معيبا .
والله أعلم .