الحمد لله.
أما سبُّ الدِّين ، أو الرب ، أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم : فإنه كفر ، وردة عن الدِّين ، ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك .
والتذرع بالغضب في هذا الباب لا ينفع فاعله ؛ لأن الغضب في أكثر أحواله لا يكون عذراً للسابّ ! فإن كان غضبه غير شديد : فواضحٌ حكمه ، وأما إن كان شديداً : فنقول : كيف لم يأتِ على بال هذا الغاضب المغلق غير الرب والدِّين ليسبهما ؟! فهلا سبَّ أباه ، أو أمَّه ، أو رئيس الدولة ! وعدم سبِّ أولئك الغاضبين أحداً من محبوبيهم ، أو ممن لهم سلطان وقوة : يدل على أنه معه عقله ، وأنه لمَّا هان عليه الرب والدِّين لم يجد غيرهما ليتناولهما بالسب والشتم ! .
وأما الغضب الذي يُرفع به التكليف عن صاحبه : فإنه غضب لا يدري صاحبه ما يقول ، ولا يدري هو في الأرض أم في الفضاء ، ولا يدري أقال ما قال في ليل أو نهار ، ومثل هذا لا تجري الأحكام العملية عليه ، من طلاق ، أو يمين ، أو نذر ، وغيرها .
وينظر في هذا أجوبة الأسئلة : (42505) و (65551) .
فالواجب على والدك اغتنام حياته قبل مماته بالمبادرة إلى التوبة ، والكف عن إطلاق لسانه بالسب والشتم لله تعالى ، ولكتابه ، ولرسوله ، وأنه إن لم يفعل هذا : لم تنفعه صلاة ، ولا صيام ، ولا طاعة ، بل سيكون كافراً مرتدّاً .
ثانياً :
أما بخصوص علاقتك بوالديك : فإننا نحث دوماً على ما حثَّ عليه الله تعالى من الإحسان للوالدين ، والبر بهم ، ولو كانوا كفاراً ، يجاهدون أولادهم لإضلالهم ، ونؤكد على الحث ونزيد في مقداره من رزقه الله تعالى هداية ورشاداً ، فهم أولى الناس برحمة والديهم ، وهم أقدر من غيرهم على دعوتهم للحق بما يعرفونه من أخلاق الإسلام وأحكامه .
لذا فإننا نرى لك الصبر على دعوة والديك للهدى ، وبذل مزيد من الجهد في التحمل لما يصدر منهم من إساءة ، وتأملي ما جرى لكثيرين من أهل الخير ، صبروا على أهليهم ، ولم يتوانوا في دعوتهم بشتى الوسائل والطرق الشرعية المباحة ، فأكرمهم الله تعالى بهداية أهليهم لما هداهم إليه ، فصارت الأسرة كلها على ما يحب ربنا ويرضى .
وقد يرى المسلم من أهله ما لا يطيقه من أخلاق وتصرفات ومخالفات ، ولو أن كل واحد من دعاة الخير كان موقفه الهجر والترك لهم : لما صلحت أحوالهم ، ولكان في ذلك انقطاع حبل الدعوة والنصح لهم ، بل إننا نرى أن واجب الدعوة والنصح يزداد على الولد الصالح ، وبخاصة إن لم يكن في أسرته من يقوم بهذا الواجب غيره ، فمزيدا من الصبر ، ومزيدا من التحمل ، ولا تنسي الدعوة بالحسنى ، وبذل الوسع في حسن الاختيار للكلمات ، والأفعال ، مع مداومة الدعاء لهم بالهداية والتوفيق .
واستمري مع صحبتك الصالحة ، تقوين بها إيمانك ، وتستفيدين معها علماً نافعاً ، وتسترشدين بآراء العاقلات منهن ما ينفعك في علاقتك مع أهلك .
ولعلهما إن رأيا ذلك منك ، ورأيا توددك إليهما ، وحرصك على الخير لهما ، أو شعرا ـ على الأقل ـ أنك لا تحملين عداوة لهما ، لعلهما ـ حينئذ ـ أن تلين قلوبهما لك ، ويكفا عن الإساءة إليك ، أو يقبلا زواجك بمن جاءك من أهل الخير .
ولا ننصحك بالتعلق بالدراسة الجامعية ، والسفر بعيداً عن الأهل ، لترتاحي منهم ؛ فأنت بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فلا بد أنك تعلمين ، وأنت الحريصة على دينك ، ما في التغرب عن الأهل ، والدخول في الدراسة المختلطة من مفاسد كثيرة ، خاصة في حال فتاة تريد أن تهرب من بيتها وأسرتها ، فاحذري ـ يا أمة الله ـ لا يتلقفنك عدو الله إبليس وجنده ، فلكل ساقطة لاقطة ، واحذري من حبائل الشيطان .
عصمك الله من كل ما يغضبه ويسخطه ، وهداك إلى البر والتقوى ، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يكتب لك الأجر موفوراً ، وأن يعينك على دعوة أهلك ، وأن يهديهم لما فيه صلاح حالهم .
والله أعلم