أمه كافرة وتكره لحيته ونقاب زوجته وتريد مطلق التصرف بابنه !
أم زوجي كافرة وتعيش في بلد كفار ، وأنا منتقبة وزوجي ملتحي ، ولدينا ولد عمره سنة ونصف ، ولا توافق على هذا الالتزام وتريدني أن أترك النقاب وأنا لا أوافق طبعاً ، وهي تريد أن نسمح لها بأن تأخذ له صوراً ، وتسمعه الموسيقى عن طريق اللعب ، ولكننا نعارضها كثيراً .
وأيضا تريد أن تذهب بالولد لكي يراه أصدقاؤها بدوني ؛ لأنها ترفض أن تنزل معي أمام الناس ، قلت لها أن تأتي بأصدقائها إلى بيتي ، ولكنها تريد جدّاً أن تخرج معه وحدها ، وأنا لا أوافق لما يمكن أن يحدث من أضرار ، ولأنني لا أعلم ـ أيضاً ـ لماذا إصرارها على الخروج معه وحدها.
هي الآن لا تريد أن تراني أنا وزوجي وابني ، فماذا أفعل ؟ ، غير أني في أوقات كثيرة أتكلم معها بطريقة ليست جيدة ، وأنا أعلم أن هذا ليس من الدين ، وأريد أن أعرف كيف أتصرف معها في هذه المواقف ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
لتعلمي أن الإسلام يأمر بحسن الخلق ، والمعاملة الحسنة ، حتى مع الكفار غير
المحاربين ، لكن هذا لا يعني – أبداً – التنازل عن الدِّين ، والتفريط في الواجبات
الشرعية التي أوجب الله تعالى علينا فعلها ، أو فعل المحرمات التي نهانا الله تعالى
عن إتيانها ، من أجل كائن من كان من الأقارب ، فضلاً عن الأباعد .
فتحسين خلقك مع أم زوجك ، وتغيير معاملتك معها للأحسن : هما أمران محبوبان للشرع ،
وأنتِ تؤجرين عليهما ، وخاصة إن احتسبتِ ذلك من أجل دخولها في الإسلام.
وفي الوقت نفسه : عليك الاهتمام بابنك ، وتربيته التربية الإسلامية الصحيحة ، وعدم
التفريط في ذلك ، فإن رغبت أم زوجك بشيء لا يتعارض مع هذا – كالخروج به للتفسح
واللعب المباح - : فلا بأس من تمكينها منه ، مع الانتباه والمتابعة لسلوكها معه ،
وإن أرادت فعل شيء يتعارض مع اهتمامك به ، وتربيتك له – كإسماعه الموسيقى المحرَّمة
- : فلا تمكنيها منه ، وليس ذلك لأنها كافرة ، بل يكون هذا الحكم سارياً حتى لو
كانت مسلمة ، ونرى – بسبب صغر سنِّه – عدم التشدد منكم في أمركم هذا ؛ فإن السن
التي هو فيها ـ سنة ونصف ـ مبكر جداً بالنسبة لما يمكن أن يكتسبه منها من العادات
أو الأخلاق ، أو أمور الدين ؛ لا سيما وهي لن تمكن من الانفراد به لفترات طويلة ،
وإنما مجرد خروج معها ، أو جلوس وقت معين ، وهذا كله ـ فيما يبدو لنا ـ ليس كافياً
لأن تؤثر فيه تأثيراً سلبياً ، في هذه السن الصغيرة ، إن كان من مقصودها شيء من ذلك
.
ولعلَّ تعلقها به أن يكون طريقها للهداية ، وسبباً في ترك ما هي فيه من غواية ،
فالحرص منكما مطلوب ، لكن من غير وسوسة ، ولا تشدد ، وإن رأيتم تعلقها به قويّاً
فلعل أن يكون اهتمامها بصحته وسلامته مثل - أو أكثر من - اهتمامك أنتِ ووالده .
ثانياً :
أما بخصوص بغضها لنقابك ، ولحية زوجك : فهذا غير مستغرب من الكفار ، وإذا كنا نرى
ذلك في بعض المنتسبين للإسلام : فليس بغريب أن يبدو ذلك من كافر ، فاستمرا على ما
أنتما عليه من التزام واستقامة ، ولا تلتفتا لرضاها على حساب معصية الله تعالى ،
وفي الوقت نفسه : ابذلي ـ أنت وأبوه ـ جهودكما في دعوتها ، عن طريق التحبب لها
بالهدايا ، وخدمتها ، والنفقة عليها ، واستثمار حبها لابنكما حتى تصلا إلى بغيتكما
في أن تعلن إسلامها ، وليس ذلك على الله بعزيز .
ثالثاً :
ما يجب على زوجك من بر أمه ، والإحسان إليها : لا يجب عليك مثله بالنسبة إليها ؛
للفرق بينكما ، فهي والدته ، ولها عليه حق الإحسان إليها ، ومصاحبتها بالمعروف ،
حتى لو كانت كافرة ، وحتى لو دعته لمعصية ، بل للكفر ! فلا يستجيب لها فيما تأمره
به مما يخالف شرع الله تعالى ، ولا يغلظ لها القول ، ولا يخشن لها المعاملة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
على تقدير الإساءة من الوالد لولده : فإنه لا يجوز للولد المقابلة بالسيئة ، بل
يقابلها بالحسنة ؛ عملا بقول الله تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )
فصلت/ 34 ، والوالدان أولى
بالإحسان من غيرهما ؛ ولقول الله تعالى : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )
الإسراء/ 23
.
- طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما ، ما لم يأمرا بمعصية ، فإذا أمرا
بمعصية : ( فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ؛ لقول الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا )
العنكبوت/ 8 ؛ وقوله سبحانه : (
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )
لقمان/ 15 ، وثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )
رواه الإمام أحمد
..
فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية ، من شرك بالله عز وجل ، أو شرب خمر ، أو سفور
، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ، ونحو ذلك من المعاصي ، أو أمر
الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات الخمس المفروضة ، أو عدم أدائها من البنين في
المساجد ، ونحو ذلك مما أوجبه الله على عباده : فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء
من ذلك ، ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر ، من غير طاعة في
معصية أو في ترك واجب .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان ,
الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 131 - 135
) باختصار .
ولمزيد فائدة في الموضوع : نرجو منكما النظر في أجوبة الأسئلة : (103977)
و (27105) و (5053)
و (6401) .
والله أعلم .