كيف يتصرف مع والده المختل عقليّاً ؟
والد صديقي مصاب بمرض انفصام مزمن ، قام بإحضاره لمنزله للعناية به ، يقوم بالدخول للحمام حافياً ، ويجلب معه النجاسة للمنزل ، برغم بطء حركته بسبب أدوية المرض : يقوم بملاحقة أبناء ابنه بسبب لعبهم ، وخروج أصواتهم ، أو بسبب المشي لغرض ما من أمامه ، يتصور الحركات أنها ضده ، يقوم بحلاقة وجهه بشكل مزري من حيث شكل الحلاقة ، يقوم أحياناً بترك الحمام داخل المنزل ويخرج يقضي حاجته أمام الناس ، وغيرها من التصرفات ، يعاني من المرض منذ أكثر من 30 عاماً ، أدخل مستشفى الأمراض العقلية عدة مرات ، والحال كما أسلفنا ، أمام هذه التصرفات وغيرها : يقوم ابنه أحيانا بالصراخ عليه لردعه عن هذه التصرفات بعد فشل رجائه بالحسنى ، وأحياناً لفقد الابن أعصابه وهو يرى أبناءه الصغار مرعوبين من جدهم ، ولولا إظهار الغضب من تصرفاته هذه : فإنه يزداد فيها ، لم يجد في الكتب الدينية عن كيفية التعامل مع الوالدين المبتلين بهذا المرض ، أفيدونا بارك الله بكم ، فالابن يعيش في صراع ، وفي حيرة شديدة ، خوفاً من الله جل وعلا ، إن كانت هذه التصرفات مرفوضة شرعيّاً ، علماً بأنه لا يوجد له أخ كبير ، أو والد لطلب تدخله لردعه ، ليتجنب الابن مواجهته بهذه الطريقة .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
الذي يظهر من تصرفات والد صديقك :أنه قد سقطت عنه التكاليف الشرعية العملية ، وأما
الواجبات المالية : فإنها باقية لا تسقط عنه .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
عن فاقد الذاكرة ، والمغمى عليه ، هل تلزمهما التكاليف الشرعية ؟ .
فأجاب :
إن الله سبحانه وتعالى أوجب على الإنسان العبادات إذا كان أهلاً للوجوب ، بأن يكون
ذا عقل يدرك به الأشياء ، وأما من لا عقل له : فإنه لا تلزمه الشرائع ، ولهذا لا
تلزم المجنون ، ولا تلزم الصغير الذي لم يميِّز، بل ولا الذي لم يبلغ أيضاً ، وهذا
من رحمة الله تعالى ، ومثله أيضاً : المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حدَّ
الجنون ، ومثله : الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة ، فإنه لا يجب عليه صلاة ، ولا صوم
؛ لأنه فاقد الذاكرة ، وهو بمنزلة الصبي الذي لا يميز ، فتسقط عنه التكاليف ، فلا
يلزم بها .
وأما الواجبات المالية : فإنها تجب في ماله ، ولو كان فاقد الذاكرة .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 12 / جواب
السؤال رقم 4 ) ، ( 19 / جواب السؤال رقم 40 ) .
ثانياً:
وأما بخصوص ما يفعله : فإنه يجب على أهل بيته منعه من الإفساد ، والإتلاف ، وكل ما
يضر أو يؤذي من الأفعال ، والأقوال ، وليُسلك في ذلك أفضل السبل لمنعه وكفه عن
أفعاله المضرة ، والمؤذية ، ولو كان ذلك بالصراخ عليه ؛ لأنه والحالة كما وُصف ليس
عاقلاً حتى يكون هذا من العقوق له ، فهو لا يُدرك ما يفعل ، ولا ما يُفعل معه ،
وبما أن صراخ ولده عليه نافع في كف أذاه : فلا بأس في فعله ، إن شاء الله ، ولوددنا
أن لو كان ذلك بغير هذه الطريقة ، فليحرص ابنه على التلطف مع والده في ابتداء الأمر
، فإن عجز : فلا بأس من استعمال الشدة والغلظة ، دون إيقاع ضرر عليه .
وإن كان من الخير له الذهاب به لمستشفى متخصص يقوم على رعايته والعناية به : فلا
ينبغي التقصير في هذا الجانب ، وهو خير من بقائه في بيت ابنه ، يؤذي نفسه ، ويؤذي
أحفاده ، والناس عموماً .
وليحرص ذلك الابن ومن يعقل من أهله على الدعاء له ، وليحرصوا على علاجه بالرقية
الشرعية ، فقد ييسر الله تعالى له الشفاء من دائه ذاك بسبب ذلك الدعاء ، وتلك
الرقية .
وعليكم بمراقبة تصرفاته خشية تنجيسه الفراش أو الثياب ، وإذا فعل ذلك : فعليكم
المبادرة بغسله وتنظيفه ، ولا تؤخروا ذلك ؛ خشية نسيان موضع النجاسة ، وعليكم
بالتلطف معه ؛ لأنه لا يدري ما يفعل ، وقد رُفع عنه القلم .
ونسأل الله تعالى أن يشفيه ، ويعافيه ، وأن يكتب أجر بره لابنه ، ومن يعتني به من
أهله .
والله أعلم