الحمد لله.
أولاً :
تحريم الغناء المقترن بالمعازف مقرر في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، وعلى ذلك اتفقت كلمة المذاهب الأربعة ، وقد سبق بيان ذلك بأدلته في موقعنا في أبواب (الغناء والملاهي) .
وقد فَسَّر يعض السلف قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) الروم/15 ، بأنه سماع الغناء .
وانظر: "تفسير الطبري" و "تفسير ابن كثير" .
لكننا لم نقف على حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة .
وقد جاء في الشريعة بعض نظائر لهذا الوارد في السؤال :
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا ، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ) رواه البخاري (5575) ومسلم (2003) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ) رواه البخاري (5834) ومسلم (2069) .
ثانياً :
أما إن كان السائل يقصد ما رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " (2/87) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يستمع الروحانيين في الجنة . فقيل : وما الروحانيون يا رسول الله ؟ قال : قراء أهل الجنة) .
فقد قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"موضوع : أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 - طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً .
قلت – أي الشيخ الألباني - : وهذا موضوع آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي - ، قال الذهبي في "المغني" : "روى عن الثقات موضوعات ، قاله النقاش ، وقال النسائي : متروك" .
قلت : وهو معدود فيمن يضع الحديث ، كما قال ابن عدي وغيره " انتهى .
"السلسلة الضعيفة" (6516) .
وقد حكمت عليه اللجنة الدائمة للإفتاء بالضعف أيضاً .
وانظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/232) .
وقد ذكر القرطبي رحمه الله هذا الحديث في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (14/53) وعلق عليه بقوله :
"وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره : (فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) ، (ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) . إلى غير ذلك ، وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك ... ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء ، وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ؛ فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه ؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق ، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ؛ كالعرس والعيد ، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع. فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام " انتهى .
وانظر كتاب "التذكرة" للقرطبي صـ 631 .
وكلام القرطبي رحمه الله في جواز القليل من الغناء في أوقات الفرح ، إنما هو في الغناء الذي لا يصحبه شيء من آلات المعازف والموسيقى ، فهو مجرد أشعار وأناشيد تقال بشيء من التنغيم .
والله أعلم .