التفصيل في حكم إطلاق الألقاب على الناس ، وكلمة حول إطلاق لقب " حمار " على صحابي !
سؤالي يتعلق بالألقاب ، فإن زملائي في المدرسة يلقبون بعضهم البعض بألقاب مختلفة ، ولا ينزعج بعضهم من بعض ، فهل هذا جائز ؟ وهل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم داعب امرأة طاعنة في السن وقال لها ( لا يدخل الجنة عجوز ) ؟ وهل صحيح أنه كان هناك رجل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقب بـ " حمار " ؟ فكيف نجمع بين هذه الأحاديث وقول الله تعالى في سورة الحجرات ( ولا تنابزوا بالألقاب ) ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
الأصل في أدب الشرع أن ينادى الإنسان بأحب الأسماء إليه ، ولا بأس بمخاطبته بكنيته
التي يحبها ، وأما اللقب فإن غالب استعماله في الذم ، ومثل هذا لا يجوز استعماله ،
إلا أن يُعرف أن صاحبه لا يكرهه ، أو أنه لا يُعرف إلا به ، وأما تلقيب الشخص بقلب
يكرهه : فلا يحل فعله ، وهو من التنابز المنهي عنه في الشرع ، والتلقيب بألقاب
فاحشة ومنكرة منتشر بين الطلاب بعضهم مع بعض ، ويطلقونه على مدرسيهم ، كما أنه
منتشر بين أهل المهن اليدوية ، وأكثر تلك الألقاب منهي عنها ، وكثير منها لا يخلو
من طعن ، وقذف في العرض ، واتهام بالسوء والفحش ، وتعييب خلقة الله تعالى .
قال الشاعر :
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الفرق بين الاسم والكنية واللقب :
هذه الثلاثة وإن اشتركت في تعريف المدعو بها : فإنها تفترق في أمرٍ آخر ، وهو : أن
الاسم إما أن يُفهم مدحاً ، أو ذمّاً ، أو لا يفهم واحداً منهما ، فإن أفهم ذلك فهو
: اللقب ، وغالب استعماله في الذم ، ولهذا قال الله تعالى : ( ولا تنابزوا بالألقاب
) الحجرات/ 11 ، ولا خلاف في تحريم تلقيب الإنسان بما يكرهه ، سواء كان فيه ، أو لم
يكن ، وأما إذا عُرف بذلك واشتهر به ، كالأعمش ، والأشتر ، والأصم ، والأعرج : فقد
اضطرد استعماله على ألسنة أهل العلم ، قديماً ، وحديثاً ، وسهَّل فيه الإمام أحمد .
قال أبو داود في " مسائله " : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل يكون له اللقب لا
يُعرف إلا به ، ولا يكرهه ، قال : أليس يقال سليمان الأعمش ، وحميد الطويل ؟ كأنه
لا يرى به بأساً .
قال أبو داود : سألت أحمد عنه مرة أخرى فرخص فيه ، قلت : كان أحمد يكره أن يقول "
الأعمش " ، قال الفضيل : يزعمون كان يقول " سليمان " .
وإما أن لا يُفهم مدحاً ، ولا ذمّاً ، فإن صُدِّر بـ " أب " ، و " أم " : فهو
الكنية ، كأبي فلان ، وأم فلان .
وإن لم يُصدر بذلك : فهو الاسم ، كزيد ، وعمرو ، وهذا هو الذي كانت تعرفه العرب ،
وعليه مدار مخاطباتهم ، وأما فلان الدين ، وعز الدين ، وعز الدولة ، وبهاء الدولة :
فإنهم لم يكونوا يعرفون ذلك ، وإنما أتى هذا من قبَل العجم .
" تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 135 ، 136 ) .
وعليه : فما يحصل بين الطلاب من إطلاق ألقاب بعضهم على بعض : فإنه يُنظر في أمرين
حتى يكون مباحاً :
الأول : خلو اللقب من فحش ، وسوء ، وقذف ، ولو رضي به الملقَّب ؛ لأنه قد يكون
سفيهاً ، ولا يهتم لطعن الناس ، وقذفهم ، أو قد يكون اللقب فيه طعن في أهله الذين
يكرههم ، فيمنع من إطلاق اللقب الفاحش لكونه منكراً بذاته ، ولو رضي به الملقَّب .
الثاني : رضى الملقَّب بما أطلق عليه من ألقاب ، وعدم كراهيته له ، فهو صاحب الحق ،
وله أن يمنع الناسَ من تلقيبه ، كما له الحق في الموافقة عليه .
فإذا خلا اللقب من فحش وسوء في ذاته ، ورضي به الطالب – وغيره - : فلا مانع من
إطلاق ذلك اللقب عليه .
وأحياناً يكون اللقب ملتصقاً بالطالب – وغيره – لا ينفك عنه ، ولا يُعرف إلا به ،
فيجوز إطلاقه عليه من باب التعريف ، لا من باب المناداة به ، وبينهما فرق .
قال الحافظ العلائي – رحمه الله - :
والحاصل أن الألقاب على ثلاثة أقسام :
قسم منها لا يُشْعِرُ بذمٍّ ، ولا نقص ، ولا يَكره صاحبُه تسميته به : فلا ريب في
جوازه كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أصَدَقَ ذو اليدين ؟) فقد تقدم أن هذا
الصحابي رضي الله عنه كانت يداه طويلتين ، وأنه يحتمل أن يكون ذلك كناية عن طولهما
بالبذل ، والعمل ، وأيّاً ما كان : فليس ذلك مما يقتضي ذمّاً ، ولا نقصاً .
وثانيهما : يُشعر بتنقص المسمَّى به ، وذمِّه ، وليس ذلك بوصف خَلْقي : فلا ريب في
تحريم ذلك ؛ لدلالة الآية الكريمة ، ولا يزول التحريم برضى المسمَّى به بذلك ، كما
لا يرتفع تحريم القذف ، والكذب برضى المقول فيه بذلك ، واستدعائه من قائله .
وثالثها : ما يشعر بوصف خَلقي ، كالأعمش ، والأعرج ، والأصم، والأشل ، والأثرم ،
وأشباه ذلك ، فما غلب منه على صاحبه حتى صار كالعلَم له ، بحيث أنه ينفك عنه قصد
التنقص عند الإطلاق غالباً : فليس بمحرم ، ولعل إجماع أهل الحديث قديماً وحديثاً
على استعمال مثل ذلك ، ولا يضر كون المقول فيه يكرهه ؛ لأن القائل لذلك لم يقصد
تنقصه ، وإنما قصد تعريفه ، فجاز هذا للحاجة كما جاز جرح الرواة وذكر مثالبهم
للحاجة إليه ، وما كان غير غالب على صاحبه ، ولا يُقصد به العلمية ، والتعريف له :
فلا يسمى لقباً ، ولكنه إذا عُلم رضى المقول فيه بذلك ، ولم يقصد تنقصه بهذا الوصف
: لم يحرم ، ومتى وُجد أحد هذين : كان حراماً ، والله أعلم .
" نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد " ( ص 420 – 421 ) .
وينظر جواب السؤال سؤال رقم ( 7660
) .
ثانياً:
أما بخصوص السؤل عن حديث ( لا يدخل الجنة عجوز ) : فقد رواه الإمام الترمذي في "
الشمائل المحمدية " ( ص 199 ) عن الحسن البصري قال :
أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني
الجنة ، فقال : يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، قال : فولَّت تبكي ، فقال :
أَخْبِرُوهَا أَنَّها لاَ تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ ، إِنَّ الله تعالى يَقُول (
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً
أَتْرَاباً ) الواقعة/ 35 – 37 .
انتهى
والحديث كما هو ظاهر : مرسل ، ولذا ضعفه طائفة من علماء الحديث ، وهو حريٌّ
بالتضعيف ، وفي متنه نكارة ، وهو ترويع النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة ، وقد
نهانا عن الترويع جادين ، وهازلين ، وليس هذا من خلُقه صلى الله عليه وسلم ، وقد
ذكر الشيخ الألباني رحمه الله للحديث شواهد ، وحسَّنه بها ، فانظر " السلسلة
الصحيحة " ( 2987 ) ، فالله أعلم .
ثالثاً:
أما بخصوص الصحابي الذي كان يلقب " حماراً " : فقد ثبت هذا في البخاري وغيره .
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ
حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي
الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ
إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) .
رواه البخاري ( 6398 ) .
والسؤال هو : كيف أُطلق عليه هذا اللقب ، وظاهر الأمر أنه لقب سوء ؟ .
والجواب : أن مثل هذا اللقب كان مألوفا عند العرب ، بل كانوا يجعلونه من الأسماء
التي يسمي أحدهم بها بنيه ! وليس فقط لقباً ، ومنه اسم الصحابي " عياض بن حمار " ،
و " عبد الله بن جحش " ، وغيرهما ، وإنما كان يُنظر في ذلك لمعانٍ غير التي يتوهمها
أهل زماننا .
ومن ذلك ما لقِّب به الخليفة الأموي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية ، فقد لقِّب
" مروان الحمار " ! لصبره ، وجلَده .
قال الحافظ بدر الدين العيني – رحمه الله - :
قوله " وكان يلقب حماراً " : لعله كان لا يكره ذلك اللقب وكان قد اشتهر به .
" عمدة القاري " ( 23 / 270 ) .
والله أعلم