حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك ! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً
في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد ، وهو رجل عامي ، غير متمكن في العلم الشرعي ، لكن فيه خير ، نحسبه كذلك ، ولا نزكي على الله أحداً ، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد ، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب ، وصنفوا الرجل بأنه مشرك ! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام ، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة ، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر ، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف ، وانقسام ، فهل هذا الفعل صحيح ؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد " ؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام ؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام ، والمنشقون ، بقية المأمومين - ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك ، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى
الله عليه وسلم : فعل منكر ، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله ، بل هو مخطئ ،
وواقع في بدعة ، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً ، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك ، بل
تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك ، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه ، والواجب
عليهم التمهل في إطلاق الأحكام ، والرجوع لأهل العلم ، وعدم الجرأة في تكفير الناس
.
والتوسل المشروع أنواع ، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم : (
979 ) ، والسؤال بجاه نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم ، وحقه ، وجاه الصالحين وحقهم : ليس شركاً ، وأعلى ما يقال فيه
أنه وسيلة إلى الشرك ، لا أنه شرك بذاته .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم إني أسألك بجاه محمد ، أو
بحق محمد : فهذا بدعة ، عند جمهور أهل العلم ، نقص في الإيمان ، ولا يكون مشركاً ،
ولا يكون كافراً ، بل هو مسلم ، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان ، وضعفاً بالإيمان
، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء ، ووسائل الدعاء : توقيفية
، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم ، بل هذا مما
أحدثه الناس ، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بجاه الأنبياء ، أو بحق
النبي ، أو بحق الأنبياء ، أو بجاه فلان ، أو بجاه علي ، أو بجاه أهل البيت : كل
هذا من البدع , والواجب ترك ذلك ، لكن ليس بشرك ، وإنما هو من وسائل الشرك ، فلا
يكون صاحبه مشركاً ، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان ، وتضعف الإيمان ، عند جمهور أهل
العلم .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 129 ، 130 )
.
وقال – رحمه الله - :
فلا يقول الإنسان : اللهم اغفر لي بحق فلان ، أو بحق محمد ، أو بحق الصالحين ، أو
بحق الأنبياء ، أو بجاه الأنبياء ، أو بحرمة الأنبياء ، أو ببركة الأنبياء ، أو
ببركة الصالحين ، أو ببركة علي ، أو ببركة الصديق ، أو ببركة عمر ، أو بحق الصحابة
، أو حق فلان ، كل هذا لا يجوز ، هذا خلاف المشروع ، وبدعة ، وهو ليس بشرك ، لكنه
بدعة ، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أصحابه
رضي الله عنهم .
وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله ، وصفاته ، ومن توحيده ، والإخلاص له ،
ومن الأعمال الصالحات ، هذه هي الوسائل ... .
" فتاوى نور على الدرب " ( 1 / 356 ) .
وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك : أنهم وقعوا في
الخطأ ، من جهة الشرع ، ومن جهة الإمام ، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم ، والندم
على حكمهم ، وعدم العود لمثل هذا الفعل ، مع طلب السماح من الإمام .
ثانياً:
الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم - : جائزة ، إن كانت
بدعتهم غير مكفِّرة ، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع ، فإنه يجوز ترك الصلاة
وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك ، ولا يجوز ترك
الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى ، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في
البيت ، بل شرط ترك الصلاة وراءه : نفع ذلك الهجر له ، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي
.
وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين : (
20885 ) و (
40147 ) .
ثالثاً:
النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده ، وعبادته ، وأن يدع ما عليه
أهل البدع ، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة .
والنصيحة لأولئك المنشقين : أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى ، وعلى الحكم على
الإمام بأنه مشرك ، وأن يعتذروا منه ، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف
إمامهم ، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى ، وليتحلوا بالأخلاق
الفاضلة ، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق ، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من
ديار المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ، ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ،
ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم