تأجير مساحات في الإنترنت لمن ينشئ فيها مواقع مباحة أو محرمة
مؤسسة تقوم بتأجير مساحات لمواقع الإنترنت ، تؤجر المساحة ولا تصمم أو تقدم دعما فنيا ، ثم مشتري المساحة يقوم بتصميم موقعه والذي قد يكون به بعض المخالفات الشرعية وقد يكون سالما من ذلك ، وقد يكون دينيا أو ثقافيا أو صحيا وقد يكون به صور نسائية أو محادثة أو غناء وقد لا تعرف سلامة الموقع إلا بعد افتتاحه ، حتى المواقع الطيبة ربما باع أصحابها لمن يضع بها أمورا محرمة ، فهل يصح أو يجوز عملها ؟
وهل يجب اشتراط خلو الموقع من المحرمات ؟
الجواب
الحمد لله.
يجوز تأجير المساحات في الإنترنت لمن ينشئ عليها مواقع تستعمل في المباح ، ولا تتخذ
للمعصية ، وحيث إن المستأجرين متفاوتون ، فمنهم من ينشئ موقعا نافعا ، ومنهم من
ينشئ موقعا مشتملا على شيء من الحرام كصور النساء أو أصوات المعازف ، ومنهم من ينشئ
موقعا هدفه المعصية والإثم كالمواقع الإباحية ، ومواقع بيع الخمور ، والقمار ،
ومواقع البنوك الربوية ، فإن الضابط في هذه المسألة كما يلي :
1- لا يجوز تأجير المساحة لمن يتخذها للمعصية ، ولا تصح الإجارة حينئذ ، وينبغي أن
يوضع شرط واضح بذلك ، فإذا أخل المستأجر بالشرط ، فسخ عقده ، فلو استأجر مساحة
لموقع صحي مثلا ، ثم تبين أنه موقع لنشر الإباحة والمنكر ، فالإجارة لا تصح وتفسخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام ، كعصير
يتخذه خمرا ، إذا علم ذلك , أو ظن . وقد قال الأصحاب : لو ظن المؤجر أن المستأجر
يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح
الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى بتصرف من
"الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو
صومعة , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال تعالى : (ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع .
وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر جعلها له بعقد , أو لا ; بأن علم بقرائن ;
لأنه فعل محرم , فلم تجز الإجارة عليه" انتهى بتصرف .
فمن غلب على الظن أنه يستعمل هذه المساحة في شيء محرم فلا يجوز التأجير له ، لأنه
إعانة له على المعصية .
ويدخل في المواقع المتخذة للمعصية والإثم : المواقع المعنية بنشر البدع والمذاهب
المنحرفة ، ومواقع البنوك الربوية كما سبق .
2- إذا كان المستأجر لا يتخذ الموقع للمعصية ، وإنما يتخذه لغرض مباح في الظاهر ،
فلا حرج في تأجيره ، ما لم يغلب على الظن أنه سيستعمله في الحرام ، فلا يؤجر .
وإن استأجر شخص ما مساحة وأنشأ عليها موقعا مباحا ، ليس القصد منه المعصية ، لكنه
وضع فيه شيئا من المنكرات كصور النساء ، والأغاني ونحو ذلك ، فالإجارة صحيحة ، ويجب
الوفاء له بمدة العقد ، ثم لا يجدد له بعدها ، وينبغي نصحه وتوجيهه فإن أزال
المنكرات جدد له العقد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا الفرق بين ما يُتخذ للمعصية ، وما يتخذ لغرض
مباح ثم تفعل فيه المعصية : " قوله : "لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر
النصارى ، فَجَعَلها كنيسةً ، فالإجارة حرام ؛ لقوله تعالى : ( ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان ) المائدة/2
، ومثل ذلك لو استأجرها لبيع الخمر أو
الدخان أو القنوات الفضائية ... ولو أنه أجر شخصا بيتا ثم وضع فيه القنوات الفضائية
، وصار يأتي بكل قناة فاسدة ، فحكمه أنه إذا كان قد استأجر البيت لهذا الغرض
فالإجارة محرمة وفاسدة ، وإن استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس ، ولكن إذا تم
العقد أي إذا تمت مدة الإجارة يقول لهذا المستأجر : إما أن تُخرج هذه الآلة :
القنوات الفضائية ، وإما ألا أجدد لك العقد . وأما ما تم عليه العقد من قبل فإنه
يجب إتمامه لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )
المائدة/1 " انتهى من "الشرح الممتع" (10/19).
والله أعلم .