الحمد لله.
أولا :
الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط : أهمها كون المقيم ذا دين يحجزه عن الشهوات ، وذا علم يعصمه من الشبهات ، وأن يتمكن من إظهار شعائره ، وأن يأمن على أهله وأولاده ، وينظر تفصيل ذلك في الجواب رقم (95056) ورقم (89709) .
ثانيا :
لا يخفى أن الفتاة أمانة في يد أوليائها ، وعليهم أن يزوجوها ممن يحفظ دينها وكرامتها ، وأن يكون ذلك مقدما على المال والجاه وغيره ، فإن الدين إذا فقد لم يعوضه شيء . ولا ينبغي لهم الموافقة على هذا الشاب ، أو غيره ، حتى يتأكدوا من استقامته وبعده عن أسباب الفسق والانحراف ، وأن يشترطوا عليه إلزام زوجته بالحجاب ، وتمكينها من تعلم دينها وتطبيقه ، والاحتكام إليه عند حدوث الخلاف ، والارتباط بالجالية والجماعة المسلمة في ذلك البلد ، فإن يد الله مع الجماعة ، ولا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية .
فإن خشي أولياؤها عليها من سفرها أن تضيع دينها ، وغلب على ظنهم ذلك من خلال معرفتهم بها ، لم يجز لهم تزويجها لمن يسافر بها إلى تلك البلاد ، لأنهم مسئولون عما تحت أيديهم من الرعية . قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ) رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
ثالثا :
الذي نراه وننصح به الأهل ، في خصوص هذه الزيجة المسؤول عنها : أنه إذا كان من نية هذا الشاب أن ينتقل إلى العيش في بلده الأصلي ، أو غيره من البلاد الإسلامية ، فلا بأس أن يزوجوه ، بعد الانتباه إلى ما ذكرناه سابقا من النصائح ، والاطمئنان إلى أن الرجل محافظ على صلاته ، متمسك بدينه ، يغلب على الظن أنه سيحافظ على أهله ويمنعهم من اقتراف المنكرات والانغماس في باطل تلك المجتمعات ، مدة مقامهم فيها .
وإن لم يكن من نيته أن يعود إلى بلاد المسلمين ، بل حاله كحال أغلب من يعيش في هذه البلاد ، ويطلب الدنيا فيها : فلا نرى لهم أن يغرروا بابنتهم ، وينقلوها إلى العيش في هذه البلاد ، خاصة مع ما ورد في السؤال من قلة حصانتها ، وحصانته هو أيضا ، فكيف سنأمن عليها من فتن هذه البلاد ؛ بل كيف سنأمنها هي على ذريتها المنتظرة ، أن تساعد في المحافظة عليهم من التحلل في هذه المجتمعات ، والانسلاخ العملي من الدين وأحكامه وأخلاقه؟
وبإمكان هذا الطالب ، ما دام يريد العيش والاستقرار في هذه البلاد : أن يختار من أبناء الجالية المسلمة عنده ، والذين قد لا يتاح لهم الانتقال إلى العيش في بلاد إسلامية : أن يختار من هذه الجالية من تصلح له زوجة ، وتألف معه المجتمع الذي يعيشون فيه .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .